رُكبة القرني ... وصورة نبيل شعيل!
مساء الخميس الماضي شاركت الداعية د. عايض القرني فعاليات «مشروع ركاز لتعزيز الاخلاق» في مدينة الرياض، وكانت الفعالية في مجمع صحارى التجاري الضخم، وقد بذل ملاك المجمع الكرام آل الرقيب كل ما يستطيعون لانجاح النشاط بل وحضروا في الصف الاول، وكعادته لقد امتعنا القرني في جولته الفكرية حيث كان ينتقل بنا من الوعظ إلى الحكم والشعر والطرائف والمواقف والتاريخ والواقع والكتب والامثال ومن عالم الحرب الى دنيا الحب، وكانت الابتسامة لا تفارقه فلا تحزن فأنت مع القرني، ولقد أحسن ماجد القرني مدير النشاط في اشراك الجمهور بالتعليقات عبر الميكرفون المتجول بين الكبار والصغار فكانت سهرة لا تنسى في اجواء من المتعة الجادة والمحبة العامة والتعاون والتلاحم بجهات متنوعة عدة ليصب الخير في الصالح العام للعباد والبلاد، ما جعل اصحاب المجمع التجاري يقولون نريدها فعالية متجددة لا تنقطع.
بعد الاعلان عن نهاية النشاط وشكر الجمهور المحيط بمنصة الضيوف من كل جانب، تدافع الناس للسلاموالتحية، وهو تدافع عفوي يسبب - في الغالب مشاكل - لعدم انتظامه وللحماس الذي يبديه الحضور المتدفق للقاء الضيوف، اكبر مشكلة لاحظتها ضمن جولاتي ومحاضراتي الركازية وغيرها في مسقط، المنامة، الدوحة، جدة، الرياض... الخ هي إلحاح واصرار بعض الجمهور لاسيما الشباب على التقاط صور تذكارية مع المحاضرين، والوضع صعب اذ كيف لك ان تطيّب خاطر العشرات، لقد اخبرني عايض القرني عما حصل معه في الجزائر فقد كاد حب الجزائريين ان يهلكه، اذ التدفق هناك بعشرات الالاف، والان نأتي الى بيت القصيدوالهدف من هذه التوطئة ولتكن الفكرة المقصودة بالمقال بصيغة سؤال: لماذا يحرص الناس على التقاط صورة تذكارية مع الرموز؟ سواء كان هذا المرمز او ذاك من عالم الرياضة او الغناء او التمثيل او السياسة او الشعر او المال والاعمال.
ان الحرص على الصورة دليل على المحبة او الاعجاب او الانبهار او التوحد النفسي مع ذلك الرمز، وانا افرقبين الاعجاب والمحبة، فقد تعجب بمهارة انسان ولاتحبه، فالكل يشهد بمهارة مارادونا الرياضية ولكن العقلاء لايحبون من ضيع حياته بالمخدرات وانجب طفلة من الحرام.
بيد ان هناك فرقا دقيقا وخطيرا في مسألة الصورة مع الرموز وهو ما اطرحه دائما مع الرموز التربوية والاخلاقية، فالناس تصور مع اللاعب او الممثل او المغني او الشاعر ولكنهم لايطلبون من المغني نصيحة معينة تتعلق بمسألة اجتماعية، ولا يستشيرون شعراء المليون بقضاياهم التربوية، ويسرون للممثل بأسرارهم الخاصة، بينما تجدهم مع الداعية الاخلاقي والرمز الديني والموجه التربوي الجماهيري، فإن الكثير منهم لا يكتفي بالصورة بل يطلب توقيعا بنصيحة، او دعاء صالحا او رسالة مطولة يدسها في يدك مشفوعة بعنوان الايميل او الهاتف تعرض مشكلة خاصة او يطلب لقاء منفردا ليعرض اقتراحا او يشرح همّا... والسؤال لماذا يحظى الداعية، واصحاب الخطاب القيمي التربوي بهذه الثقة من دون بقية المشاهير الذين يكتفي معجبوهم بصورة وتوقيع! انها الثقة... وحسن الظن والتقدير البالغ... والمصداقية... والقدوة... والشعور بأنهم يمتلكون عطاءمختلفا لايقف عند حدود اللذة الانية والمتعة العابرة... كأغنية او مباراة او مشهد تمثيلي يناقضه مشهد آخر لذات الممثل! وهنا تكمن الاهمية والخطورة... وهو ما اخشاه واحذر منه وادعو اخواني القدوات ألا نخيب ظن الجماهير الطيبة التي تعبت بل صدمت بالرموز بشتى ألوانها، فكيف سيكون وقع الصدمة اذا جاءت الخيبة من الرمز التربوي الاخلاقي الدعوي الايماني القيمي!
ولا يخفاكم ما بدأ يعرفه الجميع من التلاعب بعقول وجيوب ونفسيات الناس من خلال الدين الوهمي كالمتاجرة بأحلام الناس ورؤاهم المنامية، وايهامهم وسلبهم ايضا من خلال العبث بالعلاج بالرقية الشرعية، فإذا امتد هذ الخراب إلى رموز القيم وسقطوا فعليكم حساب النتائج!! كم هو مؤلم عندما يحول هذا الرمز أو ذاك الداعية إلى مشروع يقدم فيه ذاته ومصالحه على الدعوة بل الدعوة والاصلاح ما هي إلا وسيلة!! احدهم دعي للمشاركة في البحرين بفعالية «بر الوالدين» فشرط ان تنشر صوره في الشوارع فقالوا له، ليس هذا ضمن اجندتنا الاعلامية، لكن سنضع اعلانا في الصحف، فقال المربي المصلح،، ليش نبيل شعيل احسن مني؟ صوره تملأ الشوارع!
هذا نموذج زادني حزنا... وان على الدعاة ان يستشعروا ان مسؤوليتهم مضاعفة لما اولاهم الناس من ثقة ومحبة، وعندما قلت في مجمع صحارى التجاري بالرياض سألقي كلمتي واقفا واعذر عايض القرني لانه عامل جراحة في ركبته وهي تركيب.قام عايض بعدها وقال كلاما جميلا وألقى درسه واقفا كي لا يظن محبوه انه عاجز... وتحداني... وقال شعرا... فازداد حبه وطمعوا في مشاهدة ركبته!!
مكة المكرمة