رغم الانشغالات الطارئة
إلا أن هذه الهدية الرائعة
أبت إلا أن تكون عاجلة
اللهم فاجعلها لنا نافعة
و وفق من أرسلها في الفانية
ويسر له الحساب في الباقية
إني رأيت الحق في أهل السنن ... ذبو عن الإسلام إذ ذاقو المحن
هـدية عزيـزة
من الأمور المشاهدة التي أكدتها التجربة البشرية أن بركات الله إذا فتحها سبحانه على شخص ما أنه لا تحدها حدود، وتبلغ أمداءً لايتصورها البشر، سواءً من بركات الله في العلوم، أو العبودية، أو الأرزاق، أو غيرها من النعم، كما قال تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) [فاطر:2]
ومن تأمل أحوال مشايخ أهل السنة في عصرنا -رحم الله أمواتهم وحفظ الله أحياءهم- رأى مصداق هذه الآية فيهم، فعامة مشايخنا الكبار -ولله الحمد- تظهر فيهم آثار الربانية والرسوخ، لكن تجد بعضهم يختص بفتوحات ربانية عجيبة في أبواب معينة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فمن ذلك -مثلاً- أن الشيخ ابن باز -رحمه الله- رزقه الله شدة استحضار للنصوص الشرعية كأنها أمامه ينتزع منها مايشاء، وما أكثر ماتثور المسألة فيظن الجالسون أنه ليس فيها دليل خاص، فيسترسل الشيخ -رحمه الله- بذكر الآيات المتتابعة في محل النزاع، وما أجمل حدره -رحمه الله- حين يتهدج بصوته: قال تعالى كذا، وقال تعالى كذا، الخ.. وما أكثر مايقول طالب علم: إن فلاناً من العلماء يقول كذا، فيقول الشيخ: هذا غير صحيح، قال تعالى كذا، وقال تعالى كذا. فسبحان من رزقه العيش في جنات النصوص.
والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- رزقه الله مهارات التعليم والتربية، فالشيخ مدرسة مستقلة في أسلوب التعليم، وللشيخ من الأساليب العجيبة في حسن العرض والتمثيل والتصوير والمناقشة والاطراد شيئاً مدهشاً، وما أكثر ما يقرأ طالب العلم مسألة فتستغلق عليه، فإذا راجع كلام الشيخ تعجب أن تكون المسألة بمثل هذه البساطة والوضوح؟!
والشيخ عبدالرحمن البراك –حفظه الله- رزقه الله أمرين ظاهرين في شخصيته، أولهما شجاعة في الصدع بالحق لايوجد لها نظير بين مشايخنا، حتى كأن الله وضع بين جنبيه قلب أسد لا قلب بشر. وثانيهما: ولع لسانه بذكر الله، فلاتفوت ثانية من عمره إلا بتسبيح أو تهليل أو تكبير، وهذا يعرفه كل من قابله، فسبحان من جعل لسانه لايفتر من ذكر الله.
والشيخ عبدالكريم الخضير –حفظه الله- رزقه الله أمرين ظاهرين في شخصيته، أولهما التبحر في الاطلاع على الكتب (مطبوعها ومخطوطها) وما أكثر مايظن من يناقشه أن المسألة لم تبحث، فيسرد عليه الشيخ أسماء الكتب المصنفة فيها على سبيل الاستقلال، والشيخ إذا بدأ يتحدث عن الكتب وأنواعها وأغراض مؤلفيها ونُسخِها يكون لكلامه عذوبة عجيبة، ولذلك كثر من طلاب العلم الإلحاح عليه لعقد دورات ومجالس خاصة للحديث عن الكتب، لما لحديثه عنها من سحر خلاب. وثانيهما: انهماكه المذهل في تلاوة القرآن بالساعات الطوال دون كلل، وتفانيه في ختمات القرآن بشكل غريب، وسمعت من الملازمين للشيخ أخباراً عجيبة في تعلقه بتلاوة القرآن، وحدثني أحد الأصدقاء المقربين للشيخ أن الشيخ كان عندهم مرة في المدينة النبوية فكان يجلس يومياً في المسجد النبوي بعد صلاة الفجر إلى قريب الظهر والمصحف بين يديه يتلو ويتلذذ بكتاب الله.
والمراد أننا حين نتحدث عن كتاب الله فإن المرء يشعر بالخجل يمزق داخله، كيف لمقصر في حق كتاب الله أن يتحدث عنه؟ لكن حين يتحدث مثل هؤلاء الذين اشتغلوا بكتاب الله فإن المرء يتأثر بهم، لأنه شتان بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة.
ومن أجل ذلك فقد قمت بجمع بعض كلمات الشيخ عبدالكريم الخضير عن تدبر القرآن، والتي ألقاها متناثرة في دروسه، وهي ثمان كلمات، وقد فرغها من دروسه الفريق العلمي الذي يعمل في تنظيم دروس الشيخ، وكل ماقمت به هو أن جمعتها في رسالة واحدة لتسهل قراءتها، فاسأل الله أن يجزي الشيخ خيراً على كلماته، واسأل الله –أيضاً- أن يجزي الفريق العلمي الذي نسخها من الأشرطة خيراً.
اللهم ياحي ياقيوم أغث قلوبنا بالقرآن، اللهم ياحي ياقيوم اجعل هذا القرآن لنا كما وصفته: نوراً تمشون به، ونوراً نمشي به في الناس .. فإنه من لم تجعل له نوراً فما له من نور.
ابوعمر ربيع الآخر 1431هـ -رسالة الشيخ عبدالكريم بالمرفق.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .