بسم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشكو بعض طلبة العلم من قسوة القلب مع أنه سائر في طريق الطلب بل قد يشعر أن حاله قبل ذلك كان أفضل فلماذا ؟
يناقش فضيلة الشيخ هذا الموضوع بكلمات مؤثرة فيها مصارحة للنفس لمن كان يشعر بعظم هذه المصيبة
وكان جادا في علاجها وليس غافلا عنها أو متغافل ,
و هذه الكلمات لمن كان محافظا على ورده من قراءة القرآن ويشكو من قسوة القلب
فماذا يقول من تمر عليه الأيام ولم تقع عينه على كتاب ربه ؟!!!
إِلَى اللهِ نَشكُو قَسوَةَ قُلُوبِنَا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
سُورة الطُّور سُورةٌ عظيمة، تَهُزُّ قَلبَ الكَافِر قبل المُسلم،
ففي الصحيح من حديث جُبير بن مُطعم أنَّهُ قَدِمَ المدينة في فداء أسرى بدر، وكان يومئذ كافراً، فَسَمِعَ النَّبي عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام يَقرَأُ في صلاة المغرب بسُورةالطُّور، وأَخبَرَ عَن نَفسِهِ أنَّ قلبَهُ كَادَ يَطِير من سماع هذهِ السُّورة.
قال: وذلك أوَّل ما وَقَرَ الإيمانُ في قلبي.
وهذا كافر لا يُؤمن بالله، ولابما جاء عن الله؛ لكنَّهُ بِفِطرَتِهِ مع تَذَوِّقِهِ للكلام، فالعَرَب الذِّينَ نَزَلَ القُرآنَ بِلُغَتِهِم يَفهَمُون ما يُلقَى إليهم،
ومِمَّا يُؤسَفُ لهُ أنَّ كثيراً من المُسلمين لا يَعُون ولا يُدرِكُون مثل هذا الإدرَاك، فَتُقرأ سُورة الطُّور، وتُقرأ سُورة هود، وتُقرَأ الآيات التِّي لو أُنزِلَت على جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً من خَشيَةِ الله، ومَعَ ذَلِك لَا تُحَرِّك سَاكِناً.
هذا كَافِر كَادَ قَلبُهُ أَن يَطِير، والنَّصَارَى إذا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ
إلى الرَّسُول تَرَى أَعيُنُهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ.
ومع الأَسَف أنَّ المُسلِم فِي عَصرِنا هذا لَا تَكَادُ تُحَرِّك فِيهِ
سَاكِن؛ إلاَّ من رَحِمَ الله، وهم قِلَّة.
لأنَّنا نَجِدُ في أنفُسِنا، ونحنُ مع إخواننا من طُلَّابِ العلم يعني لَنَا صِلَة وإن كانت ضَعِيفَة.
حَقِيقةً الصِّلة ضَعِيفة بِكِتابِ الله؛ لكنَّها موجُودة، يعني ولو كانت نَاقِصَة،
ومَعَ ذَلِك كَلَامُ الله لَا يُحَرِّك فِينَاسَاكِناً ومَا ذَلِكُم إلاَّ لِقَسوَةِ القُلُوب، ومَا رَانَ عَلَيهَا مِنَ الذُّنُوب.
ومِن أَظهَرِ ذَلِك التَّخلِيط فِي المَأكُول الذِّي رَانَ على القُلُوب وغَطَّاها، وغَشَّاهَا؛ فَصَارَت لَا تَفقَهُ شَيئاً، إذا كان كَلَامُ اللهِ يُتلَى بِأَصوَاتٍ مُؤَثِّرَة، ومَعَ ذلك القَلبُ لَا يُوجَل! ولَا تَزِيدُنَا إِيمَاناً مَعَ الأَسَف، واللهُ -جَلَّ وعَلا- حَصَر الإيمان بالذِّينَ إذا تُلِيَت عليهم آيَاتُهُ زَادَتهُم إيمَاناً، وَجِلَت قُلُوبُهُم، ونَحنُ لَا تُحَرِّك سَاكِناً، فَنَشكُو إِلَى اللهِ -جَلَّ وعَلَا- قَسوَةَ القُلُوب،
ومَعَ هذهِ الشَّكوَى لابُدَّ مِن بَذلِ الأَسبَاب؛ لِإِحيَاء الشُّعُور فيها.
أَبُو جَهل وأبُو لَهَب وغيرُهُم من مُشرِكِي قُريش من عُتاة من صَنَادِيد
قُريش إذا قيل لهم قُولُوا لَا إِلَه إلاَّ الله نَفَرُوا، وقالوا: أَجَعَلَ
الآلِهَة إلهًا واحِداً؟ وتَجِدُ المُسلِم مُنذُ قُرُون يطُوفُ بالقبر وهو يقول لَا إِلَه إلاَّ الله!
فَهَل هَذَا يَفهَم مَعنَى لَا إِلَه إلاَّ الله كما يَفهَمُها أبو جهل وأبُو لَهب؟!
واللهِ مَا يَفهَم لَا إِلَه إلاَّ الله.
تجِدُهُ يقول: لَا إِلَه إلاَّ الله وهو يقول يا علي يا حسين!! هَل هذا يَفهَم مَعنَى لَا إِلَه إلاَّ الله؟! ونحنُ نسمعُ كلام الله بالأصوات المُؤثِّرة التِّي لو قُرِئَ فيها كلام عادي؛ يعني تَتَأَثَّر من جَمَالِها وحُسنِهَا وتَرقِيقِها فَكَيفَ بِكَلَامِ الله المُؤثِّر بِنَفسِهِ بِذاتِهِ؟!
هذا كافر كادَ قَلبُهُ أن يَطِير! فماذا عنَّا؟!
هل نحنُ بهذهِ الصِّفة؟!
أتكَلَّمُ عن نفسي، وأعرِفُ من حالِ كثيرٍ من إخواني إنَّهُم ليسُوا كذلك! فلا بُدَّ من مُراجَعَة الحِسَابات،
الحَسَن يقول: "تَفَقَّد قَلبَك في ثلاثة مواطن،
في قِراءة القرآن، وفي الصَّلاةِ، وفي الذِّكر؛
فإن وَجَدتَهُ؛ وإلاَّ فاعلَم أنَّ الباب مُغلَق"
يعني بينك وبين ربِّك يوجد حجاب! يعني فاسعَ إلى رَفع هذا الحِجَاب،
فهل سَعَينَا إلى رَفعِ هذا الحِجَاب؟!
هل سَعِينا بِجِدّ؟ وبَذلنا الأسباب؟ وعَمِلنا على انتِفاءِ الموانع التِّي تَمنَعُ ارتفاعُ هذا الحِجَاب؟!
نحنُ على طريقةٍ واحدة مُنذُ أن بدأنا الطَّلب إلى يومنا هذا ونحنُ طريقتنا لاتتغيَّر؛ بل المُلاحظ أنَّها تَتَغَيَّر إلى الأسوَأ!!
أيَّام بداية الطَّلب يمكن قُلُوبنا أفضل ممَّا هي الآن!
وهذا يَجعَلُ الإنسَان يُسِيءُ الظَّن بنفسِهِ، وبِنِيَّتِهِ، وطَلَبِهِ للعلم.. هل هو على الجادَّة؟!
العِلم فَائِدَتُهُ العَمَل، والقُرب من الله -جلَّ وعلا-
فَهَل أَفَادَنا هذا العِلم القُرب من الله -جلَّ وعلا-؟!
هل استَحضَرنا لَذَّة المُناجاة بين يديّ الله -جلَّ وعلا-؟!
هل تَلَذَّذنا بِصَلَاة رَكعَتَين في جَوف اللَّيل؟!
لا بُدَّ من إِعَادةِ الحِسَاب..
وإذا كانَ هذا كافر يَسمَعُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَقرَأُ
بِسُورةِ الطُّور؛ فَيَكَاد قَلبُهُ أن يَطِير! كاد قَلبُهُ أن يَنخَلِع – كما
في بعضِ الرِّوايات – فماذا عَنَّا؟! ونحنُ نَنتَسِب إلى طَلَبِ العِلم!!
ونُعنَى في الظَّاهِر واللهُ أعلمُ بالبَواطِن والخَفَايا!
في الظَّاهِر نُعنى بِكِتابِ الله، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وهي دَيدَن كثير من الإخوان وطُلَّابِ العلم؛ لكن مع ذلك؛ النَّتِيجة، هل نُحِسُّ منها أو فيها لَذَّة؟!
ما نحسّ بشيء! فَلَا بُدَّ من إِعَادَةِ النَّظر، لا بُدَّ مِن بَذلِ الأسبَاب، والسَّعِي بِجِدّ على انتِفَاءِ المَوانِع..
يعني اعلَم أنَّ الباب مُغلَق!
لا أُبَالِغ إذا قُلت أنَّنِي مِرَاراً أبدأ بسُورة يُونس ولا أشعُر إلاَّ وأنا في سُورة يُوسف! أقُول هذا عن نَفسِي،
أينَ ذَهَبَت سُورة هُود بين السُّورتين؟! يعني ثلاثة سُور واحد وأربعِين صَفحَة من القرآن، ثلاثة سُور تَبدَأ من أَوَّلِها إلى آخِرِها مَرَرت بِسُورة هُود؛ ولا كأنَّ شيئاً حَصَل!
والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلَاةُ والسَّلام- لما سَألَهُ أبُو بكر وغَيرُهُ أَرَاكَ شِبتَ يا رَسُولَ الله، قال: ((شَيَّبَتنِي هُود وأَخَواتُها))،
الحديث لا يَسلَم من كلام لأهلِ العلم حتَّى قيل أنَّهُ مُضطرب؛ لكنَّ الحافظ ابن حجر يقول إنَّهُ يُمكن ترجِيح بَعضُ الوجوه على بعض؛ فَيَكُونُ حَسَناً..
قَصَص لِأُمَمٍ غَابِرَة ارتَكَبَت ما ارتَكَبَت مِنَ الذُّنُوب والمُخَالَفَات، وعُذِّبَت بِصُنُوفٍ من العَذَاب، نَقرَؤُها، ونَسمَعُها،
وكأنَّ الأَمر لَا يَعنِينَا!
والمَسألَةُ كما قالَ عُمر وغيره: "مَضَى القَومُ ولم يُرَد بِهِ سِوَانَا!"
نحنُ المَقصُودُون أيها الأخوان، ليسَ المَقصُود لا عاد، ولا ثَمُود، ولا أصحَاب الأيكَة، ولا مَديَن، ولا قَوم فِرعون، مَضَوا وانتهَوا،
لِمَن أُنزِلَ القُرآن؟!
أُنزِل لَنا؛ لِنَعتَبِر، ونَتَّعِظ، ونَدَّكِر، والسُّنَن الإلَهِيَّة واحِدَة لا تَتَغَيَّر، عُذِّبُوا بأسبَاب، وإذا وُجِدَت هذهِ الأسبَاب، يُعَذَّبُ بها غَيرُهُم... {لن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبدِيلًا} ولم يُستَثنَى من الأُمَم إلاَّ قوم يُونس، ما استُثتِي من هذهِ السُّنَّة الإلَهِيَّة إلاَّ قوم يُونس.. لمَّا انعَقَدَت الأسبَاب، وحَقَّت كَلِمَةُ العَذَاب نَفَعَهُم إيمَانُهُم؛ لكن غيرهُم؟!
السُّنَن الإلَهِيّة لا تَتَغَيَّر ولا تَتَبَدَّل، ونحنُ الآن وَاقِعُونَ في مَسَائل، وفي عَظَائِم مَوجُودَة يعني في مُجتَمَعِنا، وفي غيرِنا أكثر؛ ونَخشَى من عُقُوبَة تنزِلُ بِنا، ومِن أن يَحِلَّ بنا مَا حَلَّ بغيرِنا من المَثُلَات، والقَوارِع، نَرَى النَّاس يُتَخَطَّفُونَ من حَولِنا ونحنُ في بَلَدٍ آمِن؛ فَعَلَينا أن نَشكُر هذهِ النِّعمَة، ونَقُومُ بِشُكرِها، ونُؤَدِّيهِ على الوَجهِ المَطلُوب، لا يَكفِي اللِّسَان؛ بَل لا بُدَّ مِنَ العَمَل.
تابعني Facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .