وأي حزن غشاني لما انتهت رحلتي مع الشيخ علي الطنطاوي
ما زلت أتذكر بدايتي مع الجزء الأول في أول صفحة
وها أنا أغلق الصفحة رقم 400 من الجزء الثامن
أذكر قبل أن أتعرف على هذه الذكريات
كان أحد الكتاب الكبار
والذين يتميزون بالسرد والحكاية الأدبية الأخاذة
قد سألني ذات مرة :
" ماذا قرأت كتب ؟ "
فأخذت أسرد عليه قائمة طويلة ..
أعقبها بسؤال :
" هل قرأت ذكريات الطنطاوي؟ "
أجبت بـ لا ..
فقال :
" إذن لم تقرأ شيئاً ! "
وقد يكون من باب المبالغة قليلاً ..
وهكذا كنت أحسبه ..
ولكني لما سافرت مع الشيخ علي الطنطاوي في رحلة طويلة
امتدت بثلاثة آلاف وستمائة صفحة ( هي عدد صفحات الذكريات باجزاءه الثمان )
كنت فيها معه في كل لحظاته وأسرار حياته
عايشته طفلاً صبياً ثم شاباً تتفجر منه براكين الشباب
ثم كهلاً شيخاً قد أثقله طول العمر
كنت معه يوم وفاة أبيه وقد ترك خلفه عائلة مكونة من 6 أفراد
كان الشيخ علي هو البكر وهو الأخ الأكبر لهم ..
ثم لما فجع بوفاة أمه حيث صاغها بأسلوب يذوب له الفؤاد ويتمزق
وكيف كانت بعدها رحلته في طلب العلم وفي كسب الرزق
وتنقله في التعليم والقضاء ومواقفه الكثيرة فيها ..
لقد رأيت في الطنطاوي الشخصية المثقفة والمتدينة والتي لا يأخذها في الله لومة لائم ..
ومن أنا والله حينما أكتب عن علم كـ هو !
إنما هي سطور أفرغ فيها ما بداخلي من مشاعر ..
وخاصة وأنا أشعر أني عايشته ولو بجزء بسيط من حياته
استطاع طيلة قراءتي لأجزاء ذكرياته الثمان أن يرتحل بروحي معه
ويجعلني أتصور وأتخيل الموقف كما عايشه هو بل وأكثر !
كان يتميز رحمه الله بالإستطراد ..
على الرغم أنه كان بالنسبة له معاناة وشر لابد منه !
ويقول أنه قد أخذه من الأديب والكاتب الكبير الجاحظ
الجرح الذي كان دائماً يذكره ويخشى أن يكتب عنه
هو جرحه بمقتل ابنته في ألمانيا !
ولعلي سأفرد ما قاله في موضوع مستقل
لتروا عظيم فقده فيها وكيف أنه قد تقطع قلبه ملايين القطع – رحمه الله وأسكنه الجنان -
لقد تعلمت من الطنطاوي حبه الكبير في المطالعة والقراءة
حيث يقول في أكثر من موضع
أنه من ستين سنة يقرأ في اليوم عشر ساعات !
ولا ريب وربي ..
فأنت حينما تقرأ له أي كتاب أو تسمع له أي كلام في الإذاعة
سترى حقاً الحصيلة الثقافية الطويلة التي حصلها طيلة الستين سنة التي قضاها في المطالعة
تعلمت أيضاً ذكر أهل الفضل علي سواء في التعليم أو في التربية
حيث أنه لم ينسى فضل أحداً عليه ابداً
وستقرأ له حينما يذكرهم بأسمائهم ثم يتبعها بقوله :
" فإن كان حياً فأخبروه أني لم انسه وابلغوه سلامي ..
وإن كان قد سبقنا إلى لقاء ربنا فرحمه الله وتغمد روحه في الجنة ! "
الطنطاوي صاحب القلم الأدبي الرفيع
والذي عايش الرافعي والعقاد والسباعي وسيد قطب والزيات رحمهم الله جميعاً
وكان يتأدب حينما يذكر الرافعي فيقول :
" كان أستاذي الرافعي .. "
ولد مع نهاية الخلافة العثمانية
وقاوم وطرد وحارب الإحتلال الفرنسي
ثم عاشر أيام الوحدة بين مصر والشام على أيام جمال عبد الناصر
وكان يقول فيلخص التاريخ :
" كل عهد يمضي نبكي عليه مما نراه من العهد الجديد "
الطنطاوي
فيه شبه كثير من جدي رحمه الله
ولا أمل من مطالعة كتبه ورؤية مقاطعه على اليوتيوب !
..
أكاد لا أعرف قلما معاصرا ظلمته الأقلام، وأديبا عقَه
الأدباء، ومحدثا أغفله المحدثون، وقمة تجاهلها المتسلقون، كمثل الطنطاوي ،
وإن كنا على ثقة من أنه فوق أن يكترث بهذا الظلم أو ذلك العقوق، ما دام
يدرك أيه قمة تربع فوقها، وأي مكانة تسنمها في ريادة الحديث الإذاعي
والواقعية الإسلامية، ثم لم يسمح لأحد بأن يمسها او يصل إليهاد .
أحمد بسام سباعي...
وختاماً أقول
من تذوق رحيق عسله
وارتحل معه في سفر ذكرياته
لا يمكن أن ينتزع نفسه منها
وسيجد نفسه أسيراً طنطاوياً آخر
صفحته على : الفيس بوك
عصام
مدونة جزيرة الكنز
www.3sam.cc
١٧ جمادى الآخرة ١٤٣١ هـ
وانتهت رحلة الأجزاء الثمان
بسم الله
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .