بسم الله
أخرجونا من المطابخ يا معالي الوزير!
المشهد الأول: "من ثانوية البنات، الحصة الرابعة: معلمة الرياضيات متغيبة منذ أسبوعين! الصف مزدحم، الجو خانق.. تقف أماني طالبة الصف الأول الثانوي تعلو وجهها ملامح الإرهاق والتعب. تصرخ عاليا: حسبنا الله ونعم الوكيل، لا نريد ملاعب ولا رياضة, لا يهمنا حضور سباق الفروسية ولا مهرجانات الكشافة، فقط.. فقط أخرجونا من هذا المطبخ".
المشهد الثاني: "من ابتدائية البنين، فيما يتناول المعلمون إفطارهم يناقشون قرار وزير التربية والتعليم ضم طلاب الصفوف الدنيا إلى مدارس البنات. تساءل أحدهم: أين سيذهب نصف المعلمين؟! رد الآخر ساخرا: ليتهم يرسلوننا مع الطلاب. اصطدم بنظرات زملائه؛ فاستدرك: سيحولوننا إلى إداريين أو متقاعدين أو ربما ربات منازل! تساءل آخر: ولكن مدرسة بنات الحي صغيرة وتضيق أصلا بالطالبات؛ فأين سيضعون أولادنا فيما مدرستنا الضخمة لن يبقى فيها إلا ثلاثة صفوف؟! انطلق ذلك الساخر مرة أخرى: سيستولون على مدرستنا، وينقلون ما تبقى منا ومن طلابنا إلى إحدى الشقق!".. حوار طويل غلبت عليه الطرفة التي غلفوا بها أحزانهم وهمومهم وحيرتهم..
يا معالي وزير التربية والتعليم..
إنَّ التعليم في بلادنا مُثقل بالمشكلات ومَوَاطن القصور, والميدان التربوي تنهكه المعضلات الجسام.. وبينما كنا ننتظر مشروعا وطنيا لإصلاح النظام التعليمي وقرارا عمليا مدروسا لمعالجة الخلل في تدني مستوى التعليم وتحصيل الطلاب وكفاءة المعلم، وضعف المناهج والمباني ووسائل النقل، والقضايا المعلقة للمعلمين والمعلمات.. إذا بنا نُفاجأ بقرار وزارتكم الذي لا يلامس اهتماماتنا ولا يراعي احتياجاتنا الحقيقية، وإنما تحرِّكه التبعية والتخبُّط؛ فلا نعلم حتى اللحظة أن هذا القرار اعتمد على دراساتٍ أو أبحاثٍ علمية ميدانية أو أُخذ برأي ذوي الاختصاص وعلماء النفس والتربية والاجتماع.. العجيب أن من يكلف نفسه مرورا سريعا بين مواقع ومنتديات التعليم يلحظ أغلبية رافضة لضم الطلاب إلى مدارس البنات؛ فهل سنكون أعلم من معلمينا ومعلماتنا بحالهم ومصلحة طلابهم؟!..
يا معالي الوزير.. وفقك الله..
يحق لنا في هذه البلاد - والأمر يمسنا في الصميم - أن نستوضح ونناقش ونسأل:
الرجل في بلادنا مُكلَّفٌ شرعا وعرفا بالمهرِ والنفقةِ وتأمين المطعمِ والمسكنِ ومتطلبات الحياة الكريمة لكل من يعولهن من أمٍ وزوجةٍ وابنة.. فما موقف طاقم وزارتكم أمام الله وأمامنا وأمام عشرات الآلاف من الرجال وأنتم تحاولون قطع أرزاقهم وانتزاع وظائفهم من أيديهم وحرمانهم فرص العمل؟ ثم لا يخفى عليكم اختلاف أطفال اليوم عن أطفال الأمس؛ فما بين ذكورٍ يبدو عليهم الرقة والضعف بوصفهما نتاجًا لتربية الخادمات والترف والدلال؛ فهم أحوج إلى بيئةٍ تؤسس فيهم مبادئ الرجولة والفطرة السليمة ومخالطة أمثالهم لا مخالطة المزيد من الإناث.. وما بين ذكورٍ غلبت عليهم نزعة العنف والعدوانية بوصفها انعكاسا طبيعيا لإدمانهم مشاهد القتل والصراع في الأفلام والألعاب؛ فهم أحوج إلى الضبط والحزم، وما بين أطفالٍ نشؤوا تحت قصف الانحطاط الفضائي ولقطات الابتذال حتى فسدت براءتهم وأضحى ابن التاسعة والعاشرة اليوم يعرف من الخفايا أكثر مما يعرف ابن الثانوية قبل عقدين أو ثلاثة!..
وللأستاذة نورة الفايز أقول: أيتها الفاضلة.. وأنتِ نائبة الوزير لشؤون تعليم البنات، ألا يعني ذلك تركيز الجهد وتحديد المسؤولية بقطاع تعليم البنات؟! لماذا إذن زيارة البنين؟ أغاب كل رجلٍ مختص في وزارتكم؟! وهل أتممتِ ما أُنيط بك من مهام وواجبات لتبدئي صرف الوقت خارج ذلك الإطار؟!.. إنني أدعوك، أو بشكلٍ أوضح أطالبك بزيارة مشابهة لنا هنا في عسير، ولن أقترح التوجُّه إلى مدارس القرى النائية والحدود؛ فأوضاعها المتردية لا تحتاج إلى شاهد أو دليل، وإنما إلى خميس مشيط - وهي من أكبر مدن المنطقة - ولك أن تتفقدي عشوائيا ما شئت من مدارس البنات لعلك حينها تكتشفين السر وراء تخلف تعليمنا عن نظيره في العالم، والسر أيضا وراء حسرتنا وتساؤلنا عن مليارات الوزارة أين تذهب بعيدا عنا؟ وذلك النهر الجاري من الاعتمادات الحكومية الضخمة أين يصب؛ فنحن محرومون من خيراته؟ ثم أُلِحَّ عليك بزيارة أقرب مدرسة إلى منزلي، وهي مجمع المتوسطة الـ14 والثانوية الـ13 التي يُحشر في مبناها الضيق ما يقارب 300 طالبة من أحياء عدة.. الصفوف موزَّعة في غرف النوم ومطبخين ومستودع!! وكلها تخلو من وسائل التهوية والتكييف عدا جهازين أحدهما قديمٌ تالف.. لا معرض، لا معمل، لا مُصلى، لا مكتبة، لا مياه نقية باردة، ولا طعام في المقصف إلا بعض "الشيبس والشوكولاته" بسعرٍ مضاعف! الفناء مكشوف للشمس، والرياح لا مظلات ولا كراسي، فإما أن يتكوَّمن ويفترشن الأرض تحت لهيب الشمس الحارقة، وإما أن يحفظ الطالبات صحتهن وكرامتهن ويمتنعن عن النزول خلال "الفسحة".. ثلاث حافلات متهالكة تسير يوما وتتعطل أياما، ثلث المعلمات غائبات في إجازات الحمل والأمومة، والثلث الثاني يذهبن ويعدن لأسباب وظروف كثيرة مختلفة، ومعلمات جديدات يأتين ويغادرن كل أسبوعين أو ثلاثة.. والضحية!!..
هذه المدرسة، التي رفعت منها الطالبة أماني في مشهدنا الأول صرخة الاحتجاج عن المئات من زميلاتها، ليست المدرسة الوحيدة أو الأسوأ؛ بل هي نموذج عن البقية. وإن كان لا بد من تقليد الشرق والغرب فابدؤوا بالأعظم والأهم وما يتعلق بحياة البشر واحترام سلامتهم وكرامتهم.. وأختم بسؤالٍ أخير للفايز: ألم نكن أولى بالزيارة من طلاب الزلفي؟! أمَا والحال ما وصفنا فإنّا لا نغفر لك بعد اليوم تجاهلا أو تقاعسا أو زيارة في غير محلها..
ريم سعيد آل عاطف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .