الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فمن حق الدكتورة نورة الفايز أن أقول لها شكرا , كما هو حق لكل من وقف خلف حركتها الخرقاء , التي قامت بها في محافظة الزلفي , والمتمثلة بحضورها درسا في مدرسة ابتدائية , وجلوسها لاستماع الشرح , ثم ماأعقب ذلك من لقاءات في ذات المدرسة وغيرها .
والحقيقة أن الشكر ليس على الفعل نفسه , إذْ هو منكر يجب إنكاره , وتصرف أحمق أخرق , لايقدم عليه ذا سياسة وحكمة , بل الشكر لها ولمن خلفها , لأنها كشفت بفعلتها الخرقاء حقيقة ماتنطوي عليه المساعي الحثيثة من قبل وزارة التربية والتعليم , في مسألة الدمج , وتؤكد أن ما كان يخشاه المعارضون للدمج منذ بداياته , هو ما يراد فرضه وتحقيقه .
لقد كانت حركتها الجريئة الشوهاء مقصودة , ولم تأت من فراغ , وهي حركة رعناء لها مابعدها , وهي نواة لخطوات إن لم يقم على وأدها العقلاء وأهل الرأي والحكمة والعلم , فستتحول إلى حقل ثمرته الفساد والفتنة .
شكرا لها لأنها أعادتنا إلى الوراء , وذكرتنا موقف المعارضين لتعليم المرأة النظامي , وجعلتنا نتأمل في سبب معارضتهم , وهل كان المقصود منها الرغبة في الجهل , أم إنها كانت خوفا من أن ينفلت زمام الأمر , فيقع عند غير الأكفاء , ويسند الأمر إلى غير أهله ؟ .
لقد جعلتنا نعترف بفطنة الممانعين , وبعد نظرهم , ونطالب الوالغين في أعراضهم , المستهجنين لموقفهم , أن يععتذروا منهم , ويستغفروا لهم , أو أن يصنفوا أنفسهم في خانة المتآمرين على التعليم , المفتونين بزبالات الغرب , بل وفي كل ما لفظته الأمم من حولنا .
لقد عارض أقوام من الأغيار تعليم المرأة النظامي , ولم يعارضوا تعليمها بالكلية , وكانت مخاوفهم منبثقة من رؤيتهم لمآلات التعليم في الدول الغربية والشرقية والمجاورة , وكانوا يخشون أن يتحول مجتمعنا إلى مجتمع مشابه لتلك المجتمعات , خاصة وهم يرون أن بدايات التعليم في تلك الدول كانت محافظة , ثم دبَّت فيها الخروقات , وانتهت إلى ماهو واقع اليوم وللأسف , ولو كان من ينادي بها في ذلك الحين من أبناء تلك المجتمعات , يعلم أنها ستؤول إلى هذا الأمر , لتمنى بطن الأرض خير له من ظهرها , ولكنها الغفلة أحيانا , أو الاجتهاد غير المدروس , أو الاستغلال المقيت من قبل أهل الأهواء , في غفلة من ذوي الغيرة .
حين عارض الأغيار تعليم المرأة النظامي , جهدت الدولة جهدها لإقناعهم , ورغبة في إزالة مخاوفهم , وتأكيد التزامها بالمنهج الذي ارتسمته لها , وجعلته دستورا لاتحيد عنه , فقد وكلت أمر تعليم المرأة للعلماء , وجعلته تحت إشراف سماحة مفتي عام الديار السعودية العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله , فكان يشرف عليه إشرافا مباشرا , وكان هذا كالعهد الذي قطعته الدولة على نفسها , حيث كان تعليم المرأة لا يسند إلا إلى قاضٍ أو عالم , إلى أن تم دمج رئاسة تعليم البنات مع وزارة المعارف , وجعلهما في وزارة التربية والتعليم , حيث منذ تلك اللحظة انقطع عهد العلماء برعايتها , حتى تحولت إلى وضعها الراهن .
عندما أعلن دمج رئاسة تعليم البنات مع وزارة المعارف , تحرك كثير من أهل العلم والغيرة , لتخوفهم أن يتحول الدمج من كونه دمجا إداريا شكليا , إلى دمج فعلي عملي واقعي ميداني , وكان هناك من المخذلين والشامتين من كان , لكن أهل الغيرة واصلوا زياراتهم للساسة , وقاموا بشرح وجهة نظرهم , فجاءت التطمينات القوية والمؤكدة , من قبل خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - , الذي كان من قوله : " بناتكم برقبتيى " , " إذا كان عندكم غيرة فأنا عندي سبعين غيرة " , " لن يكون هناك اختلاط وأنا قائد الخيل " , " والله مارايح تشوفون إلا اللي يسركم " , " حنا على ما بايعناكم عليه وعلى سيرة والدنا " , "
أنا ما أرضاها لأهلي وشلون أرضاها لبنات الناس " , وغير ذلك من العبارات , التي كانت كالبلسم على قلوب أهل الغيرة , وانقلبوا بعدها داعين لخادم الحرمين الشريفين , كونه أثبت لهم أن رؤيته لاختلاط التعليم تتوافق مع رؤيتهم , وأنه يراه منكرا , ومخالفا للسياسات العليا , ويتعارض مع العهد الذي عاهد الأمة عليه , وأثبت أنه غيور لايقبل المساومة , ولا يرضى أن يساء لبناته وبنات شعبه .
لكن , وما أسوأ ما بعد لكن , ولكن ما بعدها هو الحقيقة المرة , واللون الأسود القاتم , وللأسف الشديد .
لكن : بعد مدة ليست بالطويلة , بدأنا نسمع تحركات مريبة , ونقرأ أخبارا غريبة , جعلتنا نقطع جازمين , أنها لم تبلغ خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - , وأن من أوكلت له هذه المهمة والأمانة انشغل عنها بتوافه الأمور , فبدل أن يبلغه أن سياسة التعليم بدأت تنحرف عن مسارها الأصلي , وتخالف ماكان يقوله خادم الحرمين الشريفين , ويطمئن الناس به , صار ينقل له خبر الإعلامية الفاسقة , التي سهلت للمجاهر بالمعصية , وخبر فتاة القطيف , وفتوى الشيخ البراك في الاختلاط , وأخبار بعض المواقع في الأنترنت , وآراء بعض العلماء بعد إضافة مزيد من البهارات المهيجة عليها , حتى إنه من شدة ما أصاب الناس من التذمر , فقد صاروا كلما سمعوا عن خبر اعتقال ماجن أو ماجنة , جعلوا يقولون : يجيهم عفو ويطلعون !!.
كما انشغل عن إيصال الواقع كماهو , وصار ينقل ما يقسم الناس معه أنه لو وصل كماهو دون تزييف لخادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - , وسلم من الحواشي والزيادات , لكان لخادم الحرمين موقف مختلف .
نعم وهذا مايجب أن نقوله بوضوح , ولدينا مايؤكده ويثبته , ومن سمع كلمات خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - , ورأى مواقفه , فإنه لن يخالطه شك في أنه لايقبل كثيرا مما هو واقع اليوم , خاصة مما ينسب له , أو يُدَّعى زورا أنه بتوجيهه , ولي مع هذا حديث قادم بحول الله تعالى .
ولأنني بصدد الحديث عن مواقف وزارة التربية والتعليم , فسأجعل محور حديثي عن ذلك , جاعلا هذا الموضوع تمهيدا لما للملف الذي وعدت بنشره عن وزارة التربية والتعليم , ويتضمن تجاوزات الوزارة , ومخالفتها للتعليمات والأنظمة .
لقد أقدمت الوزارة على ارتكاب كثير من المخالفات , التي لايجوز السكوت عليها , وهي في سعي حثيث لاقتحام كثير من الحواجز , ولست أدري لمصلحة من يقع هذا !! , وماهو هدف الوزارة من تلك الخطوات , رغم ماتعانيه من إهمال شديد في الأساسيات , وتفريط واضح في الضروريات .
تسعى الوزارة لرياضة الطالبات , وهي لم توجد لكثير منهن مدارس تليك بكرامتهن !! .
تسعى لجعل الكشافة النسائية , وتدعوهن لمواطن الفتنة كسباق الخيل والمهرجانات , وتقيم لهن الحفلات والمهرجانات , وكل هذا على افتراض جوازه من الكماليات , بل وتبذل لتحقيق مشاركتهن في تلك المناشط الدعم الدعائي والمادي والمعنوي , في حين تفتقر كثير من مدارس البنات للماء البارد , والهواء النقي !! .
تسعى الوزارة لدمج الصفوف الأولية , وتمكين المرأة من التعليم فيها , وتزعم أن ذلك يزيد من فرصة الوظائف النسائية , وهذا يعني أن المتخرجين من شبابنا سيحرمون من هذه الوظائف , وسيتفرغون للتسكع في الشوارع , أو يتفرغون لمعاكسة النساء إلا من رحم ربك !! .
ثم أين جهد الوزارة في حل مشكلة المظالم الواقعة على المعلمين والمعلمات , بدل ملاحقتها للترهل الذي أصاب بعض الطالبات ومحاولة إذابة الشحوم بالرياضة النسائية ؟!! .
وغير ذلك من المخالفات كثير وكثير , وسيأتي الحديث عنه قريبا بحول الله , وذلك لأني أرى أن الكيل قد طفح , والسفهاء قد تمادوا في خرق السفينة , والأمة بحاجة لمن يبصرها بمكائد المفسدين , حتى تستبين سبيلهم فتحذره .
ثم أعود إلى نورة الفايز لأشكرها إذْ فضحت أولئك المتسترين بالوطنية , العازفين على وتر الولاء , حيث لم نسمع لهم استنكارا لتلك التجاوزات التي تتعارض مع سياسة الدولة العليا للتعليم , وتتعارض مع دستور هذه البلاد , ونظامه الأساسي , وتتعارض مع رأي علماء البلد المعتبرين , وتتعارض مع أخلاق أهل هذه البلاد وقيمهم .
أشكرها بحرارة لأنها أعلنت أن المواجهة مكشوفة , والوجهة بدت غربية , وأن القوم ملُّوا طول الانتظار , ( ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة ) .
قد يقول قائل : إنكم تهولون الأمور , وتبالغون في الوصف , والحقيقة أن هذه الأقوال مما يخذل في الأمة , ويريد تخديرها , أو إن قائلها ممن بلغ به التغفيل مبلغا لايدرك معه خطورة ما يراد له وبه .
دعونا نسأل بوضوح : نورة الفايز مسؤولة تعليم البنات , وزيارتها لمدرسة ذكورية , وجلوسها كان بين الرجال , فماعلاقة وظيفتها بتصرفها ؟ , هل أسندت له مهمة تعليم الذكور ؟ , أم هي محاولة لجس النبض , والتمهيد لفرض الاختلاط في التعليم ؟ , وإذا كانت الزيارة بريئة من كل شبهة منكرة فلماذا لم تكن لتلك الزرائب , التي يدلعونها بتسميتها مدارس , كما في الجنوب وبعض المدن والقرى النائية ؟ , وهل سنشهد خطوة مماثلة لنائب تعليم البنين وقد أخذ مكانه في مدرسة للبنات في محافظة أخرى ؟ .
إن من ينكر أن يدخل نائب تعليم البنين , ويجلس بين الطالبات , ويستمع لشرح المعلمة , ويعقد اجتماعا مع مديرة تلك المدرسة , فإن عليه أن ينكر مافعلته نورة الفايز سواء بسواء , فإن قال : إني أقبل لو فعل نائب تعليم البنين ذلك ولا أنكره , فعليه أن يتهم غيرته , وأن يراجع نفسه .
كما يجب على أهل الحل والعقد أن يأخذوا على أيدي السفهاء , ويأطروهم على الحق أطرا , قبل أن نعض أصابع الندم , كما فعل غيرنا , ممن سلكوا سبيلا استبان لهم فيما بعد فسادها .
وإلى لقاء قادم قريب بحول الله , لاستكمال جوانب هذا الحديث , والخوض في أعماقه ودهاليزه .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا , وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيزالدويش
أبومالك
mamal_m_s@hotmail.com
١٨/٠٦/٢٠١٠
شكرا يانورة فقد ... - الشيخ سليمان بن أحمد الدويش
بسم الله
شكرا يانورة فقد ...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .