وليمة الصفار
الحمدلله وبعد،،
في محافظة القطيف، وفي حي أرستقراطي فاخر، وتحديداً على شارع الأندلس؛ يتربع منزل الرمز الديني الشيعي حسن الصفار.. ومن خلال منزله ومكتبه هذا دشن الصفار مشروعاً منذ عدة سنوات يستضيف فيه بشكل دوري شخصيات سنية على موائد فاخرة لإلقاء كلمات عن التعايش بين السنة والشيعة والتسامح المذهبي والتقارب، وضرورة إصلاح الأخطاء التاريخية..
هل زيارة المخالف لأهل السنة ممنوعة شرعاً؟ لا، قطعاً، فزيارة المخالف لأهل السنة مرتبطة بالمصلحة الشرعية، فإذا كان يترتب عليها مصلحة راجحة (مثل إظهار الحق وإبطال الباطل) شرعت الزيارة كما أمر الله موسى وهارون بمحاورة فرعون فقال تعالى (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ** اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ** فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه، 44].
وكذلك ذهب ابراهيم الخليل لأبيه المشرك وحاوره فقال تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ** إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ** يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) [مريم، 43]
وأما إذا ترتب على زيارة أهل البدع مفسدة شرعية راجحة (كالتهوين من شئ من الأحكام الشرعية، أو ذوبان الغاية من المحاورة) فتمنع مشاركتهم مجالسهم، ولذلك فإن موسى –عليه السلام- الذي أمره الله بالذهاب إلى فرعون ومحاورته بين لهم الغاية التي ينتهي عندها الحوار فقال (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان، 21].
وكذلك خليل الله ابراهيم الذي حاور أباه، فإنهم لما أعرضو قال لقومه (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [مريم، 48]
والمراد أن محاورة أهل الضلال عموماً لها غاية ووظيفة، وليست مجالس أنس وسمر واستملاح ومضاحكة وتقارب دون التعرض لضلال الضال وخطأ المخطئ.
حسناً .. هل كانت ولائم الصفار ياترى مجالس صادقة في البحث عن الحق وتبعث على الارتياح؟ وهل كانت مجالس نزيهة في عرض الخلاف السني-الشيعي؟ أم هي من قبيل الدعاية المذهبية التمويهية التي يستغفل بها الصفار بعض أهل السنة؟
لايمكننا أن نستعجل الحكم سريعاً، لكن دعونا نتأمل آخر هذه الاستضافات التي قام بها الصفار لاستكشاف مدى نزاهة الرجل وموضوعيته ومصداقيته، وهي استضافته للدكتور الفاضل سعد البريك قبل عشرة أيام، وكان لهذه الزيارة دوي معلن في الوسط الشيعي، ودوي صامت في الداخل السني..
استغل الدكتور سعد هذه الزيارة لدعوة الشيعة للتصحيح، وطالبهم بإصدار بيان في ذلك، حيث قال الدكتور سعد في كلمته في منزل الصفار:
(فإذا انبرى رجل مثل هذا الرجل –أي الصفار- من أعلام التصحيح، ومثلكم من طلائع التصحيح وقادته وأعلامه، وقرروا ما هو معلوم أن القران خال وسليم من الزيادة والنقص والتحريف، ولا صحة للمرويات التي تسب الصحابة وتلعن وتقدح وتشتم، ولا صحة للمرويات التي لا نجد وراءها إلا ما يفسد ويشتت ويفرق ويحزّب ويعصب، إذن ما الذي يمنع هذه الوجوه النيرة المسفرة والمباركة أن تنقذ الأمة بمثل هذا البيان، فأظن أن ليس بينا وبين أن نقفز قفزة ماراثونية إلا أن نسمع بياناً صريحاً واضحاً وجليّاً يجيب على كثير من المسائل التي سمعها البعض في قناة الكوثر، أو قناة الأنوار، أو في القناة الفلانية)
حسناً .. كيف تعامل الصفار مع هذه الدعوة؟ بماذا أجاب الصفار على ذلك؟ التقط الصفار دفة الحديث بعد انتهاء الدكتور البريك وعقب عليه بالقول:
(ما أشار إليه فضيلة الشيخ سعد من إصدار بيان يبين مواقف الشيعة، سبق أن صدرت عشرات البيانات، أحد كبار علماء الشيعة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء قبل ستين عاما، كتب بيانا تحت عنوان «اصل الشيعة وأصولها» ونشر وهو كتيب مختصر، وكاشف الغطاء مرجع فقهي يتزعم الحوزة العلمية في النجف الأشرف، نشر هذا الكتاب، وطبع عدة مرات) [الكلمة مفرغة في موقع الصفار].
الأستاذ الصفار هاهنا حاول إثبات مصداقيته في البراءة مما يتهم به بالشيعة من الطوام يت
بالإحالة إلى كتاب آل كاشف الغطاء وهو (أصل الشيعة وأصولها)، واندفع بمثل هذه التزكية المكثفة لهذا الكتاب، وأن مايطالب به أهل السنة من احترام الصحابة موجود مقرر منذ ستين عاماً (والصحيح أنه قبل ثمانين عاماً) في كتاب آل كاشف الغطاء.
الحقيقة أنني سبق أن تعاملت مع هذا الكتاب لآل كاشف الغطاء ولكن بشكل سطحي قبل أكثر من عشر سنوات، فهو كتاب مشهور وضعه مؤلفه بهدف التقارب المذهبي مع أهل السنة كما يقول مؤلفه في مقدمته (كنا نأمل بنشر ذلك الكتاب الوجيز تقارب الفريقين) [ص54]، لكنني لم أكن أدرك حينها ما هو وزنه في الداخل الشيعي، ولكن حين رأيت هذا التثمين والافتخار الصفاري بهذا الكتاب قلت في نفسي فلأرجع لهذا الكتاب لأرى مدى جدية ونزاهة الصفار في كلامه.
وحين رجعت لهذا الكتاب الذي مجّده الصفار ورأى أنه خير مايعبر عن الاعتدال الشيعي والتسامح الإمامي الإثني عشري، وعن ضخامة مرجعية مؤلفه، شعرت بخيبة أمل كبيرة.
تجرأ آل كاشف الغطاء بوقاحة منقطعة النظير في القدح في عرض الصحابة الأجلاء أبي هريرة وسمرة بن جندب وعمروبن العاص، حيث يقول:
(وأما ما يرويه مثل أبي هريرة، وسمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وعمران بن حطان الخارجي، وعمرو بن العاص، ونظائرهم؛ فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة، وأمرهم أشهر من أن يذكر)[أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء دار الأضواء، ص165]
بل وفي هذا الكتاب -الذي يفاخر به الصفار- نجد مؤلفه يتبنى تكفير الصحابي الجليل أبي سفيان -رضي الله عنه- كما يقول (أبوسفيان أظهر الاسلام كرهاً، ومازال يعلن بكفره وعدائه للاسلام) [أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء، ص82]
ولما طبع الكتاب في طبعاته الأولى وصل إلى المؤلف "كاشف الغطاء" نقداً بخصوص تكفيره لأبي سفيان، فماذا صنع؟ طبع الكتاب طبعة جديدة وأصر في المقدمة على موقفه التكفيري لأبي سفيان رضي الله عنه! كما يقول في الجواب عن الاعتراضات التي أتته :
(أما صفحة 21 فليس فيها سوى التعرض لأبي سفيان، ولا أحسب أن له من الشأن عند المسلمين مايوجب استياءهم في الكشف عن مقدار إسلامه وقيمة إيمانه) [أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء، 30]
وأما الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- فقد أوسعه المؤلف شتماً مقذعاً، حيث وصفه بالنفاق والرذيلة! كما يقول :
(لو سكتوا وعملوا بالتقية لضاعت البقية من الحق وأصبح دين الإسلام دين معاوية ويزيد وزياد وابن زياد، دين المكر، دين الغدر، دين النفاق، دين الخداع، دين كل رذيلة) [أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء، 267]
وشتم معاوية بالخيانة كما يقول (وقضية إعطائه –أي معاوية- مصر لابن العاص على الغدر والخيانة مشهورة) [أصل الشيعة، آل كاشف الغطاء، 124].
وشتمه بأنه يتلاعب بالشريعة كما يقول : (صار معاوية يتلاعب بالشريعة الإسلامية حسب أهوائه) [أصل الشيعة، آل كاشف الغطاء، 266]
بل وفي سبيل دفاعه المستميت عن "نكاح المتعة" أطلق عبارات جارحة في حق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوصفه بالتنمر والتهيج، لا لشئ إلا لأن عمر –رضي الله عنه- كان قوياً في النهي عن المتعة! يقول المؤلف:
(ولكن أبا حفص كان معلوماً حاله في الشدة، والتنمر، والغلظة، والخشونة، في عامة أموره، فربما يكون قد استنكر شيئاً في واقعة خاصة أوجب تأثره وتهيجه الشديد الذي بعثه على المنع المطلق خوف وقوع أمثاله اجتهاداً منه ورأياً تمكن في ذهنه، وإلا فأمر المتعة وحليتها بعد نص القرآن) [أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء، 205].
ومن سفاهات المؤلف على أصحاب رسول الله اتهامه لزواج أسماء بنت أبي بكر من الزبير بأنه زواج متعة! (أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر الصديق اخت عائشة أم المؤمنين وزوجها الزبير من حواري رسول الله وقد تزوجها بالمتعة، فما تقول بعد هذا أيها المكابر المجادل؟) [أصل الشيعة وأصولها، ص206].
ولو تأمل المؤلف قليلاً لعلم طرافة هذه الدعوى، فإن أسماء تزوجت الزبير قبل الهجرة ولذلك كان عبدالله بن الزبير أول مولود في الاسلام المدينة، والمتعة شرعت ونسخت بعد ذلك، ثم إن الزبير وأسماء لم يفترقا، والمتعة نكاح مؤقت!
لكن هل تعرف مصدر المؤلف لإثبات هذه الدعوى؟ إنه ينقل هذه القصة عن كتاب أدبي اسمه (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء) للأصفهاني، ثم يختم بعبارة انتصارية متحدية (فما تقول بعد هذا أيها المكابر المجادل؟) ..
كم أشفقت عليه، وأخذت أقول في نفسي كل هذه الفرحة في إثبات قضية شرعية عبر كتاب أدبي! فكيف لو وجد دليلاً شرعياً صحيحاً على ذلك؟! ألا ما أهش بناء القوم!.
على أية حال .. هذا طرف من شتائم هذا الكتاب -الذي يفاخر به الصفار- في حق أصحاب رسول الله، أما مصادر التلقي فهو يصرح بإنكار السنة النبوية التي لدى عامة المسلمين فيقول (الإمامية لايعتبرون من السنة، أي الأحاديث النبوية، إلا ماصح لهم من طرق أهل البيت) [أصل الشيعة وأصولها، آل كاشف الغطاء، 165]
وهذا ليس خلافاً فرعياً، بل هذا خلاف أشد من الخلاف في الصحابة، إنه خلاف في أحد قسمي الوحي، فهو مفارقة في مصدر كامل من مصادر المعرفة الشرعية، ومصادر المعرفة إذا اختلفت أنتجت أدياناً مختلفة، فسائر ماثبت من العقيدة والشعائر والتشريعات من حديث أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص ونحوهم لن تقبله الشيعة لأنه لم يأت من طرق أهل البيت!
وهذا لايختلف عن شخص لاديني يقول لنا: أنا أخالفكم في حجية القرآن، لكن أوافقكم في كثير من مضامينه من العدل والرحمة والبر والعمارة والحقوق والأخلاق الخ.
فهؤلاء ينكرون السنة النبوية التي لدى عامة المسلمين ويوافقون في بعض نتائجها عبر مصادر أخرى لديهم!
ولما كنت أقرأ الكتاب لفت انتباهي قضية لايكاد يخلو منها كتاب شيعي، وهي بذور القبورية في الفكر الشيعي، وولعهم بالمشاهد والأضرحة، فتجد المؤلف يتحدث عن الصلاة عند مراقد الأئمة (ص141) ويتحدث في موضع آخر بقوله (فهل يلام الشيعة على تقديس منازل أئمتهم وبيوتهم التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؟) [أصل الشيعة وأصولها، 54].
وثمة أمور أخرى في الكتاب لن نطيل بها: كتشويه علماء أهل السنة واتهامهم بالافتراء كابن حجر وابن خلدون (ص52)، وادعاء أن أهل السنة يتلاعبون بالدين بسبب خلافهم في تعيين سنة نسخ نكاح المتعة (ص201)، وتبجيل العبيديين الذين كفرهم كثير من أهل السنة (ص53) في مقابل كيل الشتائم للخلفاء الأمويين والعباسيين (ص 54)، الخ.
هذا هو الكتاب الذي يفاخر به الصفار، وهذا هو الكتاب الذي يقول الصفار للبريك بأنه يغني عن البيانات ..
بل كل هذه الطوام في كتاب ألفه مؤلفه أصلاً بغرض التقريب بين أهل السنة والشيعة كما يقول مؤلفه في مقدمته (هذا البصيص من الأمل هو الذي دعانا الى الإذن في إعادة طبع هذه الرسالة ثانياً ومايضاهيها من إرشاداتنا في الحث على قيام كل مسلم بهذه الفريضة اللازمة ألا وهي إعادة صميم الإخاء والوحدة بين عموم فرق المسلمين) [أصل الشيعة، ص46].
ذلك أن كتب الشيعة المعاصرين على قسمين: كتب (الإعلام المذهبي) وكتب (التقرير الديني)، فكتب الإعلام المذهبي هي الكتب التي وضعت بهدف الدعاية للمذهب الشيعي في أوساط أهل السنة في العالم، وكتب التقرير الديني هي الكتب المعتمدة في التعليم والتربية الدينية.
فإذا كانت كل هذه البوائق في كتاب وضع للتقريب والدعاية للتشيع، فكيف لو كان الكتاب من المضنون به على غير أهله؟!
لكن هاهنا سؤال موضوعي لن نستطيع تجاوزه؟ وهو أنه قد يقول قائل: لعل الصفار لم يتنبه لهذه الأمور في هذا الكتاب؟ أو قد يقول قائل: لعل الصفار يوافق على جميع مافي الكتاب إلا هذه المواضع التي تسب الصحابة وتنكر المصدر الثاني في التشريع وهو السنة النبوية التي لدى عامة المسلمين؟
الحقيقة أن هذا السؤال برغم أنه يبدو في ظاهره موضوعياً إلا لأنه لايقوله إلا شخص لم يطلع على مؤلفات الصفار، فالصفار في مقابلاته ومقالاته الصحفية وكلماته في المحافل السنية ورسائله الصغيره يبدو متماهياً مع الرؤية السنية حول الصحابة ومتبرئاً من طوام الشيعة، ولكنه في كتبه الموسعة الموجهة للشيعة يبدو كائناً آخر.
سأعرض فقط بعض النماذج:
تهجم الصفار على صاحب رسول الله أبي بكر الصديق واتهمه بأنه انقلب على علي -رضي الله عنهما- كما يقول الصفار: (ما حصل من بيعة أبي بكر كان أشبه بالانقلاب على علي) [المرأة العظيمة، حسن الصفار، دار الانتشار العربي، الطبعة الأولى، 2000م، ص64]
بل واعتبر الصفار أن ماصنعه أبابكر –رضي الله عنه- كان اغتصاباً للسلطة! [ص62].
بل واتهم الصفار –عامله الله بما يستحق- ثلاثة من أجلة أصحاب النبي بالكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وهم أبوهريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص، حيث ينقل الصفار مرويات ليثبت بها أن: (معاوية وضع قوماً من الصّحابة، وقوماً من التّابعين، على رواية أخبار قبيحة في علي -عليه السلام- تقتضي الطّعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة) [المرأة العظيمة، حسن الصفار، دار الانتشار العربي، الطبعة الأولى، 2000م، ص175]
ويجعل الصفار مثل هذه المرويات مستندا له في اتهامه معاوية بالكذب على رسول الله!
وممن شتمهم الصفار من الصحابة –أيضاً- الصحابي الجليل سمرة بن جندب –رضي الله عنه- حيث اتهمه بالإرهاب! كما يقول الصفار (كما سلّط معاوية على الأمّة ولاةً جفاة قساة، نشروا الرّعب والبطش، وحكموا النّاس بالإرهاب والقمع، مثل سمرة بن جندب) [المرأة العظيمة، الصفار، 135].
وممن شتمهم الصفار -أيضاً- من أصحاب رسول الله الصحابي الجليل بسر بن أرطاة –رضي الله عنه- حيث يقول الصفار (ومن ولاة معاوية الظّالمين: بسر بن أرطاة، والذي وجّهه إلى اليمن، ففعل فيها الأفاعيل المنكرة، التي لم يشهد التّاريخ نظيراً لها في فظاعتها وقسوتها) [المرأة العظيمة، الصفار، 135].
وأما الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما- فلم يدع الصفار فيه موضع شبر إلا وطعنه ولمزه بأقصى ماجادت به سخيمته والله حسيبه يوم القيامة، حتى أنه اتهم معاوية بأنه يقود مشروع "الردة" ولاحول ولاقوة إلا بالله، كما يقول الصفار:
(واستكمالاً لمشروع الردّة إلى الجاهلية، ختم معاوية بن أبي سفيان حياته باستخلاف ولده يزيد على الأمّة) [المرأة العظيمة، الصفار، 135].
بل واتهم الصفار معاوية –رضي الله عنه- بالخلاعة والمجون كما يقول:
(إضافة إلى إظهار الفساد والمخالفة للدين، كتعطيل الحدود، وممارسة الخلاعة والمجون، واستلحاق معاوية لزياد بن أبيه، والجرأة الصّريحة على مخالفة الأحكام الشّرعية من قبل معاوية، حتى في العبادات) [المرأة العظيمة، الصفار، 134]
بل وصل الأمر إلى أن يتهم الصفار –عامله الله بما يستحق- معاوية رضي الله عنه بالكذب على رسول الله واختلاق الأحاديث الموضوعة، كما يقول الصفار:
(شجّع –أي معاوية- طبقة من الوضّاعين، وصنّاع الأحاديث الملفّقة الكاذبة، في مدح معاوية وبني أمية وسلطتهم، وذمّ الإمام علي وأهل البيت، وبذل لهم الأموال على ذلك) [المرأة العظيمة، ص 175]
وهذا الاتهام لمعاوية بالكذب في الحديث النبوي كرره الصفار في كتابه الآخر (مسؤولية المرأة، ص30).
وبث الصفار طوال صفحات الكتاب ترسانة من السباب والألفاظ البذيئة، ضد معاوية رضي الله عنه، خذ مثلاً بعض النماذج من قلة الأدب مع معاوية:
-(وصار معاوية يحكم المسلمين حسب رغباته وشهواته، بعيداً عن تعاليم كتاب الله وسنّة رسوله) [ص127]
-(كان وجود الإمام الحسن يقلق معاوية ويعرقل بعض مخطّطاته الفاسدة) [ص127]
-(علم معاوية أن الإمام علياً لن يفسح له المجال ليلعب كما يحلوله) [ص 114]
-(ممارسات معاوية الاستفزازية التخريبية) [ص115]
-(إحدى غارات معاوية وعبثه وفساده في منطقة الأنبار) [ص115]
-(بالغ معاوية واجتهد، في استخدام أساليب التّضليل الإعلامي) [ص175]
هذه نماذج فقط من هذا العدوان على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم..
وأما بذور القبورية التي لايكاد يسلم منها كاتب شيعي فبالله عليك طالع مايقوله الصفار عن نفسه في مجاورة القبور والأضرحة والتبرك بها واحمد الله على العافية! يقول الصفار:
(قادني التّوفيق الإلهي منذ بضع سنوات لمجاورة السيدة زينب -عليها السلام- والعيش قرب مقامها الشّريف في المنطقة التي تُعرف بإسمها جنوب دمشق الشام، وقد أفاض الله عليّ الكثير من ألطافه ونعمه ببركتها، وكنت أهرع إلى مقامها وأتوسّل إلى الله بحقّها وفضلها كلّما واجهني مشكل من مشاكل الحياة..، ورأيت آلاف الزّائرين يتقاطرون على حرمها الشريف من مختلف بقاع الأرض يقصدون التّقرب إلى الله بزيارتها..، مكثت بجوارها المبارك خمس سنوات تقريباً من بداية شهر رجب 1410هـ حتى شهر ربيع الثاني 1415هـ) [المرأة العظيمة، حسن الصفار، 19]
ويختم كتابه بذكر جهود عمارة الأضرحة ومايحصل فيها من البركات!
والحقيقة أنني لما دونت هذه المقتطفات من كتاب الصفار (المرأة العظيمة) حدثتني نفسي بزيارة موقع الصفار على شبكة الانترنت لأرى هل هذا الكتاب موجود في موقعه أم تخلى عنه؟ فوجدت الكتاب في موقعه يروجه للقراء، فقمت بتنزيل الكتاب، لكنني وجدت مكتوباً عليه (الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة) فجزمت في نفسي بأن الصفار في تنقيحه للكتاب وإعداده للموقع حذف هذه الشتائم في حق أصحاب رسول الله، فقمت بفحص المواضع التي شتم فيها الصحابة فوجدته لم يغيرها ولم يتراجع عنها، بل أبقاها!
هذه الآن طبعة منقحة أعدها الصفار للنشر على موقعه الشخصي، ومع ذلك يصر فيها على التمسك بالطعن في حق أبي بكر بالانقلاب على علي، وبالطعن في أبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص بالكذب على رسول الله، وبالطعن في سمرة بن جندب بالارهاب، وبالطعن في بسر بن أرطاة بأنه فعل أفاعيل لم يشهد لها التاريخ نظيراً! ويتهم معاوية بالردة والخلاعة والمجون وتعطيل الحدود والكذب على رسول الله!
حسناً .. إذا كان هذا هو تعامل الصفار مع الصحابة، فما هو تفسير كلمته التي يرددها في اللقاءات الصحفية والفضائية بقوله (أنا أرفض سب الصحابة، وهذا هو موقف مراجع الشيعة) وهي عبارة يرددها كثيراً؟
الحقيقة أن الصفار حين يقول هذا الكلام يقصد الصحابة حسب التعريف الشيعي الضيق للصحابي، وقد ذكر آل كاشف الغطاء -في الكتاب الذي أحال إليه الصفار- المرتبة الأولى من الصحابة عندهم، وأما أمثال أبي هريرة، وسمرة بن جندب، وبسر بن أرطاة، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي سفيان، ونحوهم فهو يخرجهم من مفهوم الصحبة أصلاً! فكل صحابي ثبت عند الشيعة أن اختلف مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أوناصر معاوية رضي الله عنه؛ أخرجوه من الصحبة ورجموه وسفهوه وانتقصو قدره، فإذا قالوا "نحن لانسب الصحابة" فإنهم يعنون الصحابي حسن تعريفهم المذهبي.
على أية حال .. إذا كان هذا هو حال كتاب آل كاشف الغطاء المكتوب بهدف التقارب، وهذا كتاب الصفار داعية التقارب في السعودية، فكيف بحال دعاة التنافر ياترى؟!
والحقيقة أنني لما قرأت اتهام الصفار لأبي هريرة والمغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية بالكذب في حديث رسول الله، توقفت عن القراءة وساقتني التأملات بعيداً بعيداً، وقلت في نفسي: ترى لو أن الصفار اتهم الملك عبدالله بالكذب في حديث الناس وصنف لذلك كتاباً ينشره في موقعه الشخصي، فوالله لتقومن الدنيا ولاتقعد، ولترمينه الصحافة الليبرالية عن قوس واحدة، وليهربن عن ولائمه أفواه كانت تتسابق إليها، وليختفين رمسه خلف شمس الحاير في أيام معدودة.. أما أن يتهم أصحاب نبينا بالكذب على رسول الله، ويضع ذلك في كتاب يوزعه في موقعه الشخصي، فالأمر أهون من ذلك!
بل يقدم هذا الصفار الذي اتهم أبابكر بالانقلاب على الخلافة الشرعية واتهم الصحابة بالكذب؛ على أنه رمز التسامح والتعايش والحوار والتقارب والوطنية .. ياحسرتاه على غربة السنة حيث صار مقام الملوك فينا خير من مقام أصحاب رسول الله..
وحين قرأت تكفير آل كاشف الغطاء لأبي سفيان في كتاب يفتخر به الصفار، وقرأت اتهام الصفار لمعاوية بأنه يقود مشروع الردة؛ قلت في نفسي: الشيعة الآن ينزعجون حين يطلق بعض أهل السنة الكفر على بعض رموزهم المعاصرين، بينما هم يكفرون أصحاب رسول الله!
بل والله العظيم أنني حين قرأت اتهام الصفار لمعاوية بالخلاعة والمجون، فإني تذكرت نقمته حين قال قائلنا عن السيستاني بأنه "فاجر"، وهاهو الصفار يتهم معاوية بالخلاعة والمجون! هل صار السيستاني أكرم من صاحب رسول الله معاوية بن أبي سفيان؟!
كيف لا يتأمل هؤلاء الشيعة كتاب الله جل وعلا؟ الله سبحانه وتعالى أطلق من العمومات في فضل أصحاب رسول الله شيئاً عجباً يقف شعر المؤمن إجلالاً لهم وكفاً عن الخوض فيما شجر بينهم.
تأمل كيف عم الله مراتب الصحابة في قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة، 100].
فهذه الآية تشمل المراحل التاريخية للصحابة، السابقون ومن تبعهم، وجعلهم كلهم داخلون في رضى الله، ووعدهم الجنات، نسأل الله من فضله.
وتأمل كيف عم الله جميع أصحاب محمد في قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح، 29].
وأما أبوهريرة –رضي الله عنه- الذي اتهمه الصفار –عامله الله بما يستحق- بالكذب على رسول الله، فقد شهد له أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحفظ وجلس صغار الصحابة يتلقون من أبي هريرة الحديث، وكثير من مرويات صغار الصحابة إنما أخذوها عن أبي هريرة، وهوما يسمى في علم المصطلح مرسل الصحابي، فضلاً عن أئمة كبار التابعين الذين جلسوا بين يديه -رضي الله عنه- ونقلوا عنه السنة النبوية، حتى روى ابن سعد عن ابن عمر –رضي الله عنه- أنه كان يترحم على أبي هريرة في جنازته ويقول (كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه و سلم).
وشهادات أصحاب رسول الله له بالرواية والحفظ معروفة مدونة في ترجمته، وليس هذا موضع مناقشة الشبهات المثارة حوله رضي الله عنه.
وأما معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- فإني أتمنى من الشيعة أن يتأملوا في عدة أمور:
لوقيل للمرء ماهي أعظم الأمانات الشرعية فإنه لن يتردد في أن من أعظمها كتابة الوحي، وقد استأمن النبي معاوية على كتابة الوحي، فكيف يختار رسول الله لكتابة الوحي رجلاً غير أمين؟!
ولو قيل للمرء ما أعظم الأمانات الدنيوية فإنه لن يتردد في أن من أعظمها أمانة الولاية، ومع ذلك فإن عمر المعروف بشدة تفتيشه في الولاة ولاه على الشام، ولذلك يقول ابن تيمية في المنهاج (فلما توفي يزيد بن أبي سفيان ولى عمر مكانه أخاه معاويه، وعمر لم يكن تأخذه في الله لومة لائم، وليس هو ممن يحابى في الولاية).
فلوكان معاوية ليس من أماثل وأفاضل الصحابة فهل ترى عمر –رضي الله عنه- يوليه وهو هو؟!
ويلخص ابوالعباس ابن تيمية ذلك بقوله (فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال) [الفتاوى، 4 / 472]
فبالله عليكم هل يستعمل رسول الله رجلاً في كتابة الوحي، وهي من أعظم الأمانات الشرعية، ويستعمله عمر في الولاية، وهي من أعظم الأمانات الدنيوية؛ ويكون قائداً لمشروع ردة والخلاعة والمجون وتعطيل الحدود والكذب على رسول الله كما يقول حسن الصفار في كتابه؟! أليس هذا اتهاماً ضمنياً لرسول الله ولعمر؟!
ليس
فضلاً عن أن معاوية –رضي الله عنه- ممن غبر قدميه مع رسول الله في عدة غزوات منها غزوة حنين.
فسائر ماروي عنه من أخبار تاريخية يطعنونه بها رضي الله عنه؛ إما أن تكون أخباراً مكذوبة (وهو الأكثر كما لاحظت)، أو أن تكون اجتهاداً منه هو فيه بين الأجر والأجرين، أو أن تكون خطأ وهو غير معصوم -كغيره من الصحابة- لكن له حسنات عظيمة رضي الله عنه.
وما أجمل قاعدة أهل السنة في التعامل مع الصحابة التي لخصها ابن تيمية في المنهاج بقوله عن معاوية وعن غيره من الصحابة:
(ما يذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم؛ فهو مغفور لهم، إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك).
وتأمل فيما ينقله الطّعنة في الصحابة تجده لايخرج عن هذه المراتب التي ذكرها ابوالعباس.
ومن الطرائف أنني قبل عدة أشهر التقيت بشاب سني ووجدته مشحوناً ضد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فلما سألته عن مصدر قراءته اتضح أنها بعض كتب التاريخ والأدب التي كان مؤلفوها حاطبو ليل!
وقد نبه الذهبي على هذه الإشكالية حيث قال في السير: (كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، و مازال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب) [سير النبلاء، 10/93].
على أية حال .. لايمكننا أن نتوسع في شبهات الشيعة المثارة حول معاوية، ذلك أنه صدر الآن دراسات كثيرة لأهل السنة حللت علمياً كل هذه الشبهات، ولكن دعونا الآن نعود لموضوعنا وهو سياق مشروع الصفار في الداخل السعودي.
فالذي لاحظته أن مشروع (ولائم الصفار) في القطيف تحول إلى مصيدة يستغفل بها بعض أهل السنة فيستضيفهم على موائد فاخرة لا للدعوة والجدال بالحسنى لبيان الحق وإبطال الباطل، وإنما لاستتابتهم مما يسميه الأخطاء التاريخية، فيحرص الصفار على إظهار الشخصية السنية المستضافة في مظهر المعتذر عن أخطاء اقترفها أهل السنة في حق الشيعة المظلومين..
ويحرص الصفار على أن يظهر الشخصيات السنية في صورة التحول والتراجع عن منهج سابق إلى منهج جديد .. وأن يستصدر منهم أي كلمة في إدانة التاريخ السني.. ولذلك تسمع العبارات التي تتحدث عن علاقة جديدة، وعهد جديد، وتحول تاريخي، الخ وهذه كلها تحتوي إدانة ضمنية لعلماء ودعاة أهل السنة والجماعة خلال العصور السابقة بأنهم ظلموا الشيعة وتجنو عليهم..
ولفت انتباهي أن الصفار يحرص أشد الحرص على التغطية المصورة لهذه الاستضافات، وخصوصاً لحظات التبسم وتماسك الأيدي والقراءة سوياً في أحد كتب الصفار.. ثم بث هذه الصور وأرشفتها في موقعه الشخصي، لتأثيرها الشديد في خلخلة الثوابت العقدية في نفوس المتلقين من أهل السنة .. فالصورة تفعل في النفوس ما لاتفعله الأقوال والبيانات..
ومع ذلك كله فالحقيقة أنني لاحظت –أيضاً- أن الشخصيات السنية المستضافة تفاوتت تفاوتاً كبيراً في مستوى الانخداع بمجالس الاستتابة الصفارية .. فبعضهم استغل الزيارة لدعوة الشيعة للتصحيح، وهذا موقف مشكور، لكن آخرين أدو الدور المطلوب تماماً وأخذو يلطمون مع الشيعة على التقارب والمساواة ومظلومية الشيعة في السعودية.. فهذه ولائم الصفار إذا شبعت منها البطون، جاعت منها العقائد..
حسناً .. إذا كانت زيارة الشيعة وغيرهم من أهل البدع ليست مرفوضة من حيث المبدأ، فأين المشكلة إذن؟ المشكلة ليست في الزيارة، وإنما ما يقال في الزيارة، ومن أكثر أخطاء التعايشيين شيوعاً تصوير التعايش وحفظ الحقوق المعيشية للشيعة وكأنه لم يكن، وكأنه غير موجود أصلاً ويجب إيجاده، وفي هذا إدانة ضمنية لعلماء ودعاة أهل السنة في المرحلة السابقة، والواقع أن علماء ودعاة أهل السنة لم يظلموا الشيعة في معايشهم، بل منطقتهم تحظى بتمييز خاص، وقد ظفروا بخدمات لم يظفر بها السني المسكين في شمال السعودية وجنوبها.
ومن أخطاء التعايشيين الظهور بمظهر المعتذر عن أخطاء التاريخ التي ارتكبها أهل السنة في حق الشيعة، وهذا تزييف كلي للتاريخ، فالذي فجر في الحرم الشريف وقت اكتظاظ الحجيج هم الشيعة، والذي نبش قبور البقيع وأحدث فتنة هم الشيعة، والذي جاءنا من جنوب السعودية يحاربنا هم الشيعة، ن
فالشيعة هم الذين يجب أن يعتذروا وليس أهل السنة!
ومن أخطاء التعايشيين التهوين من الفوارق العقدية بين أهل السنة والشيعة، وإظهارها في صورة الخلاف الفروعي.
ومن أخطاء التعايشيين مبالغتهم في مديح الصفار وأنه معتدل، ومغالاتهم في تصوير حجم الاعتدال الشيعي، والواقع أن من يسمونهم معتدلين يتجنون على أبي بكر بأنه انقلب على الخلافة الشرعية، ويتهمون أباهريرة بالكذب في حديث رسول الله، ويتهمون معاوية بالخلاعة والمجون، ويكفرون أباسفيان، ويعظمون المشاهد والقبور؛ فأي اعتدال تتحدثون عنه يارحمكم الله؟!
فلكل من يقول: (وإنا نشهد لسماحة الشيخ حسن الصفار بالاعتدال) فإني أذكرهم قول الله تعالى (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف، 19].
ومن أخطاء التعايشيين اعتبارهم أن التعايش يستلزم (إقرار الباطل) حيث يعتبرون أن الرد على ضلالات الرافضة وبيان خطئها وانحرافها أنه يقوض الوحدة الوطنية وأنه ضد التعايش! فهم لايكتفون بتأصيل الحقوق المعيشية للشيعة، بل يطالبون بالكف عن بيان ضلال غلاة الشيعة، لأن هذا يهدد اللحمة الوطنية!
وأما قول التعايشيين ليس من شرط التعايش التطابق بين السنة والشيعة، فإنا نقول وليس من شرط التعايش الكف عن بيان ضلال الرافضة وخطأ انحرافاتهم!
فكما أن بقاء الشيعي على تشيعه لايقدح في التعايش، فكذلك فإن الرد على انحرافات الشيعة وضلالهم لايقدح في التعايش.
ومن عجائب الأفكار في التعامل مع الملف الشيعي أنني ناقشت مرة أحد الإخوة الفضلاء فقال لي: من الصعوبة أن يتخلى الشيعة عن القدح في معاوية وأبي هريرة وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ونحوهم، فمالمانع أن نقبل منهم ذلك في مقابل تعظيمهم واحترامهم للخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان؟
ثم سمعت عين هذه الشبهة مع شخص آخر يرددها! ووالله ماتوقعت أن الأمور تصل إلى هذا المستوى، فصارت أعراض الصحابة محلاً للمقايضة والمساومة! اشتموا هذا مقابل أن تسكتو عن هذا! حفظ حقوق الصحابة ومنزلتهم وأعراضهم ليس حقاً شخصياً لنا بحيث نفاوض عليه، بل هو فريضة شرعية، إذا لم نستطع القيام بها فلا أقل من أن نصمت حتى يقيض الله لصحابة نبيه رجالاً يذبون عن أعراضهم.
ومن دقيق فقه السلف أنهم نبهوا إلى أن من خاض في عرض معاوية فإنه لايتوقف عن الاستمرار، فهذا باب إذا فتح لم يرتج، فينتقل منه للقدح في عثمان بسبب الأموال، ومنه إلى القدح في عمر بسبب قوته في ولايته وأنه أقصى المخالف، ومنه إلى أبي بكر بسبب فدك والسقيفة، وهكذا.
وهذا المعنى –أعني كون القدح في معاوية باب إلى غيرهم من الصحابة- معنى شائع عند السلف تحدثوا عنه كثيراً، ومن ذلك:
(قال عبد الله بن المبارك: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شزراً اتهمناه على القوم، أعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الربيع بن نافع: معاوية ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.
وقال وكيع: معاوية بمنزلة حلقة الباب، من حركه اتهمناه على من فوقه).
[الآثار الثلاثة رواها ابن عساكر في تاريخه (59/210-211) .
فلاحظ في هذه الآثار كيف نبه السلف على خطورة التسلسل إذا فتح باب شتم معاوية، وهذا أمر مشاهد فلايكاد يعرف رجل بدأ بعيب معاوية وتوقف عنده، بل يرقق هذا مابعده، فيدخل في الجرح والتعديل في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور اللافتة أن الشيعة يحاولون تصوير النزاع معهم على أنه مشكلة "الوهابية" فقط، وأن بقية المسلمين يحترمون أفكارهم، وهذا كذب صريح، وسأعرض نماذج من الفكر العربي المعاصر الذي لاصلة له بالوهابية ولا بالسلفية من قريب ولامن بعيد.
فهذا أحد رؤوس مايسمى بالفكر العقلاني المعاصر، وهو أحمد أمين، يقول عنهم في كتابه المشهور "فجر الإسلام":
(والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته؛ كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستاراً) [فجر الإسلام، أحمد أمين، دار الكتاب العربي، ص276]
لاحظ كيف جعل "التشيع مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام" وهذا الكلام لاتقوله الدرر السنية ولا فتاوى اللجنة الدائمة، وإنما أشهر مؤرخ عقلاني للفكر العربي !
بقية المقالة في الملف المرفق .. لم يتبق إلا أقل القليل .
تابعني Facebook Twitter
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .