٢٦‏/٠٦‏/٢٠١٠

السديس يدعو إلى إنشاء مؤسسة خيرية وكرسي أكاديمي باسم العلامة ابن غديان

بسم الله
22%D8%B3.png
\


اعتبره شيخ الأصول بلا منازع ومن دعاة العقيدة الصحيحة والسنة المتينة
السديس يدعو إلى إنشاء مؤسسة خيرية وكرسي أكاديمي باسم العلامة ابن غديان
سبق - مكة المكرمة : دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إلى إنشاء مؤسسة خيرية تحمل اسم الشيخ عبد الله بن غديان عضو هيئة كبار العلماء الراحل. كما دعا جامعة الإمام إلى تبني كرسي باسم الشيخ الراحل لدراسات القواعد الفقهية، "وأن تتوالى الرسائل العلمية في مرحلة الماجستير والدكتوراه في بيان جهوده في علم الأصول والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، ومنهجه المتميز في الفتوى".

وفي مقال رثاء للشيخ الراحل يحمل عنوان "وانفرط عقد الجمان"، وصف السديس ابن غديان بأنه "شيخ الأصول بلا منازع، الذي يستطيعُ أن يَضْبِطَ الأحكامَ بإتقان، ويُساير أحوالَ الناس مع تغيُّر المكان، وتبدُّل الزمان، مع الأَخْذ بالثبات على القواعد، والرُّسوخِ في الأصول، وعدم التنازُل عن المبادئ والأهداف، والمرونةِ التي يَصْحبها سَعَةٌ في الأفُق، وعُمْقٌ في النظَر، مع عدم الخروج عما قَصَدَتْهُ الشريعةُ، وجاءتْ به من مصالحِ العباد في المعاش والمعاد".

وفي المقال الذي حصلت "سبق" على نسخة منه وصفه أيضا بأنه "إمام في الأصول والقواعد والمقاصد، والزهد والورع والتواضع، من دعاة العقيدة الصحيحة والسنة المتينة، الناصعة بالدليل والأثر والملتزم فيه بالاعتدال والوسطية والحرص على الجماعة والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".

ولذلك أوصى أبناءه ومحبيه بالعكوف على إخراج موسوعة الشيخ عبد الله بن غديان العلمية.

واعتبر السديس أن ما رفع من برقيات العزاء في وفاة ابن غديان لولاة الأمر حفظهم الله، خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني -وفقهم الله "يؤكد العناق الحار بين سلطان الحكم والعلم في مملكتنا المباركة".

وفيما يلي نص المقال:

«وانفرط عقد الجمان»

كلمات في:

رثاء معالي العلامة الأصولي الجِهْبذ الشيخ عبد الله بن غديان - رحمه الله -

الحمد لله، النافذِ أمره، الغالب قهره، لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه سبحانه وبحمده جعل لكل أجل كتاباً وللمنايا آجالاً وأسباباً، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراجُ المنير نبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الألى كانوا نماذج مشرقةً آلاً وأصحابًا، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فإن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والقدرة النافذة في كونه وخلقه وإن مما كتبه الله جلّ وعلا على خلقه الموت والفناء يقول سبحانه: ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ~ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ[، ويقول –عز وجل-: ]وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ~ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[.

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب             متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

وإن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعاً وأشدّه على الأمة لوعة وأثراً فقدُ العلماء الربانيين والأئمةِ المصلحين؛ ذلكم لأن للعلماء مكانةً عظمى ومن‍زلة كبرى فهم ورثة الأنبياء وخلفاءُ الرسل والأمناءُ على ميراث النبوة وهم للناس شموش ساطعة وكواكب لامعة وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها بهم حُفظ الدين وبه حفظوا وبهم رُفعت منارات الملّة وبها رفعوا ]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات[، فهم أهل خشية الله ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[ ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا والبليةُ بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة، صحّ عند أحمد وغيره من حديث أنس –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدي بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"، يقول الإمام أبوبكر الآجريُ –رحمه الله-: "فما ظنكم بطريق فيه آفات كثيرة ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئام من الناس لابد لهم من السلوك فيه فسلكوا فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبقوا في الظلمة فما ظنكم بهم، فهكذا العلماء في الناس"، وحسبنا في بيان فداحة هذا الخطب وعظيم مِقدار هذه النازلة قولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الذي خرّجه الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا، وقد قال حبر الأمةِ وترجمانُ القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [ ، قال : بموت علمائها وفقهائها وخيار أهلها، كما في الصحيحين من حديث أب‍ي هريرة –رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تظهر الفتن ويكثر الهرج ويُقبض العلم"، فسمعه عمر يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إن قبض العلم ليس شيئاً يُنتزع من صدور الرجال ولكن فناء العلماء"، وقال عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- : "عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله، وفي الأثر عن علي -رضي الله عنه-:"إذا مات العالم ثُلِم في الإسلام ثُلمةً لا يسدّها إلا خلفٌ منه"، وقال الحسن –رحمه الله- : "موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لايسدها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار"، وقيل لسعيد بن جبير –رحمه الله- ما علامةُ الساعة وهلاكِ الناس؟ قال : إذا ذهب علماؤهم، ولما مات زيد بن ثابت –رضي الله عنه- قال ابن عباس رضي الله عنهما : "من سرّه أن ينظر كيف ذهابُ العلم فهكذا ذهابه"، وقال -رضي الله عنه-:"لا يزال عالم يموت وأثرٌ للحق يدرس، حتى يكثر أهل الجهل ويذهب أهل العلم، فيعملون بالجهل ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل".

   إذا ما مات ذو علم وتقوى                    فقد ثلمت من الإسلام ثلمة

يقال ذلك أيها الأحبة في هذا الوقت الذي رزئت فيه أمتُنا الإسلامية بفقد عالم من علمائها ووفاةِ إمام من أئمتها، وحبر من أحبارها، ألا وهو فضيلة الإمام العلاّمة الأصولي المقاصدي الشيخ/ عبد الله بن غديان –عليه رحمة الله- الذي كان طودًا شامخًا راسخًا في العلم والتقوى، وعلمًا بارزًا من أعلام السنة والفقه وأصوله والفتوى، فضائله لا تجارى ومناقبه لا تبارى، ثلمته لاتسدّ والمصيبة لفقده لاتحدّ والفجيعة لموته نازلة لا تنسى وفاجعة لا تمحى والخطب بفقده جلل والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة والجمل مهمومة والأحرف ولهى والعبارات ثكلى فلن تستطيع جودة التعبير ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد جاه أو مال أو بموتِ شاة أو بعير كلا ثم كلا، ولكن الرزية أن يُفقد عالم يموت حين موته جم غفير وبشر كثير.

لعمرك ما الرزية فقد مال                     ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد شـهم                     يموت بموته بشـر كثير

فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يُتهدم

وحضارة أمة تتهاوى.

   وما كان قيس هلكه هلك واحد               ولكنه بنـيان قوم تهدما

وتعظم الفجيعة إذا كان من يفقد عالمًا متميز المنهج والسلوك، متوازن النظرة متماسك الشخصية معتدل الرؤى أمة وحده ونسيج بمفرده وطراز مستقل، وأستاذ أجيال، وأئمة في رجل، بقية السلف، آية في العلم والدعوة والفتيا، وإمام في الأصول والقواعد والمقاصد، والزهد والورع والتواضع، من دعاة العقيدة الصحيحة والسنة المتينة، الناصعة بالدليل والأثر والملتزم فيه بالاعتدال والوسطية والحرص على الجماعة والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، ونحسب شيخنا العلامة ابن غديان من هذا الطراز المتميز، والنسيج المتألق.

ولعل أبرز ما يميز شيخنا –رحمه الله- عنايته بعلم أصول الفقه، ذلك العلم العظيم الذي يُمَكِّن المجتهدين من النظَر في أصول الشريعة ومقاصدها، وقواعدِ الدين ونصوصِه، واستنباطِ الأحكام الشرعية من الأدلَّة التفصيلية، بإتقان وبصيرةٍ، فهو مَأْوى الأئمة، ومَلْجأ المجتهدين، ومورد المفتين عند تحقيق المسائل، وتحريرِ الأقوال، وتقرير الأدلة، وتَأْصيلِ وتعقيدِ الحُكْم في النوازل، وما يجدُّ في حياة المسلمين.

مسائلُه مَبْنيةٌ على أسس متينة، وقواعدَ راسخةٍ تربطُ بين المنقول والمعقول، ولكن لا يصل إلى استخراج دُرَرهِ، وسَبْرِ أَغْواره، والارْتِواء من نَمِيره إلا أصحابُ الهِمَم العالية من العلماء الفحولَ، وطلابِ العلم أصحابِ الأيدي البالغة في الطُّول، والأقدام الراسخة في معرفة كل مُهِمٍّ من جواب وسُول، الذين وردوا زُلاَل هذا الفن، فَرَوَوْا غَليلَهم، وَشَفَوْا عَليلَهم، ونحسب أن شيخنا –رحمه الله– من أماثلهم في هذا العصر، حيث كان –رحمه الله- يتقن القواعدَ التي تَضْبِط الوصولَ إلى معرفة حكم الشرع في كل فِعْل وتَرْك، ويدرك ما في الكتاب والسُّنَّة من مُجْمَلٍ ومُبيَّن، وعامٍّ وخاصٍّ، ومُطلَق ومُقيَّد، وَمُحْكَم ومُتَشابه، ومَنْطوق ومَفْهوم، وناسخٍ ومنسوخ، وأمْر ونَهْي، وقواعدها، ويحسن  درك ما يظهر من التعارُضَ بين نصوص الكتاب والسُّنَّة، ويكشفُ ذلك، ويرجِّح الأصوبَ، ويبدع في معرفة الأحكامَ التكليفيةَ والوضعية وتفصيلاتِها، والأدلةَ ومسائلَها، والدِّلالاتِ وغوامضَها، وأحكامَ الاجتهاد، والنَّظرَ والاستنباط، ومقاصدَ الشريعة، والحكمَ على ما يجدُّ الناس من أقضية، إنه أصولي العصر، الذي يعرف مصادرَ الأحكام ومواردَها، وَيَضَع كلَّ شيء في محلَّه، عَبْرَ هذا الميزان الدقيق، الذي يضبط المجتهدَ، ويمنعه من الخطإِ في الاستنباط، وبه يَتبيَّنُ الصحيحَ وغيرَه من الاستنباطات الشرعية.

وقُصَارى القول: إنه –رحمه الله- شيخ الأصول بلا منازع، الذي يستطيعُ أن يَضْبِطَ الأحكامَ بإتقان، ويُساير أحوالَ الناس مع تغيُّر المكان، وتبدُّل الزمان، مع الأَخْذ بالثبات على القواعد، والرُّسوخِ في الأصول، وعدم التنازُل عن المبادئ والأهداف، والمرونةِ التي يَصْحبها سَعَةٌ في الأفُق، وعُمْقٌ في النظَر، مع عدم الخروج عما قَصَدَتْهُ الشريعةُ، وجاءتْ به من مصالحِ العباد في المعاش والمعاد.

ولقد شرفت بالتتلمذ عليه في الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام، في الفقه والأصول والقواعد الفقهية، واستمر التتلمذ عليه والاستفادة من علمه حتى وفاته –رحمه الله- ، ولا أنسى تلك المواقف المؤثرة والمشجعة من معاليه –رحمه الله-، فقد كنت ألتقيه في الحرم الشريف، حيث كان يدرس فيه ويفتي، وكذا في موسم الحج، فلا أعدم فائدة

أو توجيهًا أو تشجيعًا، أذكر منها حثه لي على ملازمة التدريس في الحرم الشريف.

والمتأمل في منهجه –رحمه الله- في الفتوى، يجد الدقة المتناهية، وضبط الألفاظ، والعناية بأثر الفتوى ومآلاتها، وتركيزه على تقعيدها وتأصيلها، فكم تسمع وأنت تتابع فتاواه عبارة:"ومن القواعد المقررة في الشريعة" ونحوها، مما يظهر تميزه في عالم فوضى الفتاوى، وعدم النظر إلى المآلات، مما وسع الفجوة، وأعظم الفتنة، ولعل هذا يكون منهجًا يحتذى، وأسلوبًا يقتفى للمتأخرين - فالله المستعان.

كما لا يُنسى في منهج الشيخ –رحمه الله- اهتمامه بجمع الكلمة، وتوحيد الصف، وامتثال السمع والطاعة لولاة الأمر وكبار العلماء ولزوم والجماعة، فلم يكن الشيخ على الرغم مما مرّ بالبلاد والأمة من فتن، لتسيّره الجماهير، ولا الضغوط من ذوي التوجهات الفكرية المعاصرة، بل كان يبيّن الموقف الحق بالدليل والبرهان، ويحيل إلى سماحة المفتي ما يرى أن المصلحة متحققة فيه، وفي هذا من ضبط المواقف وتوحيد الرأي، لاسيما في النوازل ما لا يخفى، فغفر الله له ورحمه رحمةً واسعة.

ولله در القائل:

أوّاه يا علـم الأصـول عـزاؤنا          في الروضة الحسـناء  ثم المعتمد

في البحر بحر  الزركشـي محـمد          في جامع السبكي في  كل العمد

تنعي الأصول مع الأصيل  أصيلها           ربان مركبـها الجـذيل  المجتهد

لو كان يبكي ميـت من لـوعة           لبكاه بعد الشـاطبي أخـو أمد

أو كان  يرثـى شـاعر  في قبره           لرثاه بعد  الشـافعي بنو أسـد

هـذا الغديان المبـجل قد غـدا          فنـعته دامـعةً محاريـب البلد

يا رب فاقبـل شيـخنا وتـولّه            فيك الرجاء وعليك  ربي المعتمد

وإن من حسن العزاء عند فقد العلماء أن دين الله محفوظ وشريعته باقية وخيره يَفيض ولا يَغيض فأعلام الديانة مرفوعةٌ بحمد الله ولا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأت‍ي أمر الله وهم على ذلك، كما صحّ بذلك الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلام خرّجه مسلم وغيره وأخرج أبوداود بسند جيد، والحاكم وصححه : "أن رسول الله قال : إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، وعِلْم هذا الدين يحمله كل من خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ولم تُصب الأمة بمُصيبة هي أعظم من مصاب‍ها بفقد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فالمصيبة بفقد من بعده ت‍هون مهما كان شجاها، كما أن من حسن العزاء أن هؤلاء العلماء رحمهم الله باقون بذكرهم أحياءُ بعلمهم يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم ويجتهدون في اقتفاء آثارهم وترسم خطاهم علماً وعملاً ودعوة ومنهجاً، تشبهاً بالكرام إن لم يكونوا مثلهم، فذلك أمارةُ الفلاح وطريق الخير والصلاح، كما أن من حسن العزاء أيضاً أن علماء الشريعة ولله الحمد والمنةُ متوافرون عبر الأعصار والأمصار يُحي الخلفُ منهج السلف، وأمة الإسلام أمة معطاء زاخرة بالكفاءات ثرية بالعطاءات مليئة بالقدرات ولن يخور العزم بإذن الله ولن يضعف العطاء بحول الله بفقد عَلَم بارز ففي الأمة بحمد الله من سيحمل مشعل الهداية ورايةَ العلم والدعوة ويسدُ الثغرة وينهضُ بالمسؤولية العلمية والدعوية وما علينا إلاّ أن نسمو بهممنا وننهضَ بمهماتنا في نصرة دين الله ونفع عباد الله، وحذار من بوادر اليأس وإطلالة التشاؤم، التي قد تطفوا على السطح في ميادين العلم والدعوة والحسبة والإصلاح، فإن هول الفواجع تقيض كمال الرضى بقضاء الله وقدره، وعدم الاستسلام للجزع والتسخط مع حسن التصرف في الأمور، وألا تغلب العواطف والانفعالات، فبالعلم تضبط المسيرة وتهدى الأمة ولا يأس من روح الله ولا قنوط من رحمته والخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، وإننا لنرفع من العزاء أصدقه، لولاة الأمر حفظهم الله، خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني -وفقهم الله- على ما وجده الشيخ –رحمه الله- من لدنهم من عناية فائقة، وما رفع لهم من برقيات العزاء في وفاة فضيلته –رحمه الله-، كل ذلك مما يؤكد العناق الحار بين سلطان الحكم والعلم في مملكتنا المباركة، والعزاء موصول لعلمائنا وطلاب العلم عامة، وعلم الأصول خاصة، وأبناء الشيخ، وأسرته وأقاربه ومحبيه في العالم؛ لأنه –رحمه الله- عالم ملة وأمة، عظيم التأثير والنفع، ولعل ما رأيناه وسمعناه في يوم جنازته المشهودة، والصلاة عليه ودفنه، وتقاطر آلاف المحبين للمشاركة في ذلك المشهد المهيب، من عاجل بشراه –رحمه الله- وما يذكرنا بالمقولة المشهورة عن الإمام أحمد –رحمه الله: بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز.

وما رأيته في الحرم الشريف -خاصةً يوم وفاته- من آثار وقع المصاب وخسارة الفقد، حيث يعزي طلاب العلم بعضهم بعضًا، مما يدل على عظم مكانته العلمية –رحمه الله-.

وإن كان هناك من توصية لأبنائه ومحبيه السائرين على دربه، أن يعكف على إخراج موسوعة الشيخ/ عبد الله بن غديان العلمية، وإنشاء مؤسسة خيرية تحمل اسمه، وأن تبادر جامعتنا المباركة، جامعة الإمام التي أفنى فيها الشيخ زهرة شبابه وعصارة عمره فيها، معلمًا للدراسات العليا، ومربيًا ومشرفًا ومناقشًا للرسائل الجامعية، بتبني كرسي باسم الشيخ –رحمه الله- لدراسات القواعد الفقهية، وأن تتوالي الرسائل العلمية في مرحلة الماجستير والدكتوراه في بيان جهوده في علم الأصول والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، ومنهجه المتميز في الفتوى، يتوارد فيها محبو الشيخ على مواصلة النفع بعلومه وإرثه المعرفي؛ وكذا تسمية بعض القاعات والمدارس باسمه، أداءً لبعض حقه علينا –رحمه الله-، وأن لا يكون التأثر بموته آنيًا عاطفيًا فحسب، بل يتحول إلى برامج عملية ومشروعات إيجابية، التي يمثل أبناء الشيخ وطلابه ومحبوه أهلاً لها، وكفوًا للقيام بها، سدد الله الخطى وبارك في الجهود، ورفع الله درجة شيخنا في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، وجمعنا به ومشايخنا -كما جمعنا في هذه الدنيا على المحبة فيه، ورحم العلم الواصل بيننا- في جنات النعيم، إنه جواد كريم.

 

 

كما نسأله سبحانه أن يلهمنا رشدنا وأن يغفر لمن مات من علمائنا، ويرفع درجاتهم في المهديين، ويوفق الأحياء لبيان الحق والدعوة إليه وأن يرزقهم التسديد والتأييد ويكتب لهم القبول ودوام النفع، وأن يخلف على الأمة الإسلامية خيراً ويحفظها من شرور الغير وهولِ الفواجع، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى والحمد لله على قضائه وقدره وهو وحده المستعان ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ~ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ~ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

 رحم الله الإمام العلامة ابن غديان رحمة الأبرار، وأسكنه أعالي الجنان، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

كتبه تلميذه المقصر:

أ.د. عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

إمام وخطيب المسجد الحرام

أخوكم : محب القمم
بريدي الالكتروني

روافد .. من ينابيع الخير شواهد مشاهد ذات بهجة

تابعني Facebook Facebook
Signature powered by WiseStamp 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياك الله ، يشرفني تعليقك .

أعجبني