١٥ ربيع الآخر ١٤٣١ هـ

وهل للمبتور ( ولد الأمير ) توبة ؟! د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

بسم الله
22%D8%B3.png



وهل للمبتور ( ولد الأمير ) توبة ؟!


د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

     أراد أحد خطباء مصر أن يمدح واحداً من أمراء مصر , لما أكرم طه حسين ( الأعمى ) , فقال الخطيب : " جاءه الأعمى , فما عبس في وجهه وما تولى " ! فما كان من الشيخ محمد شاكر - والد العلامة أحمد شاكر- إلا أن قام بعد الصلاة , يعلن للناس أن صلاتهم باطلة , وعليهم إعادتها , لأن الخطيب كفر بما شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

يقول العلامة أحمد شاكر : " ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا , قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى , فأقسم بالله لقد رأيته بعينيّ رأسي بعد بضع سنين , وبعد أن كان عالياً منتفخاً , مستعزاً بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء , رأيته مهيناً ذليلاً , خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة , يتلقى نعال المصلين يحفظها , في ذلة وصغار , حتى لقد خجلتُ أن يراني , وأنا أعرفه وهو يعرفني , لا شفقة عليه , فما كان موضعاً للشفقة , ولا شماتة فيه , فالرجل النبيل يسمو على الشماتة , ولكن لما رأيت من عبرة وعظة . " ( كلمة الحق صــ 176 , 177) .

     فأين تقع مقالة خطيب مصر من زندقة كاتب ( الوطن ) , لماّ تفوه بالكفر الصراح , ونطق بردّة مغلظة , وزندقة صلعاء , إذ وصف ذاك البغيضُ حديثاً صحيحاً صريحاً بالوحشية !!

     وهل يمكن لذاك الحقير أن يطلق وصف الوحشية على كلامٍ لوزير الإعلام مثلاً فضلاً عمن فوقه ؟!

     ولما كتب عبد الله السعد - أحد الوزراء في أول حكومة الملك فيصل - مقالاً - سنة 1385هـ - وصف فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام بالبداوة , فتصدّى له العلامة حمود التويجري بردّ وجيز , وقدّم له سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ .

     فكان مما قاله العلامة حمود - رحمه الله - :

" أما يخشى عبد الله السعد أن يكون مرتداً عن الإسلام من أجل استخفافه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإزرائه به , وبالمهاجرين والأنصار وهو لا يشعر .

فقد ذكر ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر أن من استخف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أو استهزأ به , بشئ من أفعاله , أو ألحق به نقصاً في نفسه , أو نسبه أو دينه , أو فعله , أو عرّض بذلك أو شبهه على طريق الإزراء أو التصغير لشأنه , أو الغض منه أنه يكفر إجماعاً . انتهى كلام الهيتمي

ولا يخفى ما في كلام عبد الله السعد من الاستخفاف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - , والغض منه والتصغير لشأنه .

وإنّا نتحدى عبد الله السعد أن يقول في الملك عبد العزيز , أو ابنه فيصل أنه بدوي وأن الأسرة المالكة بدوٌّ , وينشر ذلك في الجريدة حتى يرى ماذا يكون جوابه .

فيجب على ولي الأمر - أيّده الله - أن يذبّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وينتصر له أعظم مما ينتصر لنفسه ووالديه والناس أجمعين .

ولا يجوز العفو في مثل هذا , لأنه حق للغير , بل حقٌّ لأفضل الخلق , و إنما يجوز للمرء العفو في حق نفسه . " ( الانتصار على من أزرى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين والأنصار  صــ10 , 11 = باختصار ) .

     وعلى كلٍّ فقد اندرس الوزير , وصار أثراً بعد عين , كما تلاشى خطيب مصر رهين الأحذية , والمذكور في ذيل هذه القافلة المتعثرة , ومن سار على الدرب وصل .

     ظهرت – من خلال واقعة زندقة ولد الأمير – إرهاصات ومقدمات البتر والخذلان والهوان الذي اكتنف هذا المنكوس .

     وصدق الله - تعالى - إذ يقول : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3} } الكوثر , فأخبر - سبحانه - أن شانئ ومبغض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الأبتر  , والبتر القطع , فبيّن - سبحانه - أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد , ومما سطّره ابن تيمية بشأن هذه الآية الكريمة الجامعة : " إن الله - سبحانه - بتر شانئ رسوله من كل خير , فيبتر ذكره , وأهله , وماله , فيخسر ذلك في الآخرة , ويبتر حياته فلا ينتفع بها , ولا يتزوّد فيها صالحاً لمعاده , ويبتر قلبه فلا يعي الخير , ولا يؤهله لمعرفته و محبته , والإيمان برسله , ويبتر أعماله , فلا يستعمله في طاعة , ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً , ولا عوناً.. " ( مجموع الفتاوى 16/526 = باختصار ) .

     الذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آكد الواجبات , و أجلّ القربات , والتطاول على مقامه الشريف أشنع الموبقات , وأشد المهلكات , فما بقاء الأمة بعد شتم نبيها - صلى الله عليه وسلم - ؟! وعلينا أن نبذل الغالي والنفيس في الذب عن حرمة سيّد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - , وأن تحرّك الأحوال الإيمانية , وما تستلزمه من مواقف عملية واحتسابية تجاه كل من انتقص نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - , و الذي هو أعظم نعمة أنعم الله بها على البشر مطلقاً , فقد فتح الله به أعينا عمياً , وآذاناً صمّاً , وقلوباً غُلْفاً .

     ورحم الله أبا العباس ابن تيمية إذ يقول : " فإن الكلمة الواحدة من سبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحتمل بإسلام ألوف من الكفار , وَلأَن يظهر دين الله ظهوراً يمنع أحداً أن ينطق فيه بطعن أحبُّ إلى الله ورسوله من أن يدخل فيه أقوام وهو منتهك مستهان " ( الصارم المسلول على شاتم الرسول 3/939 ) .

     وما أروع ما حرره السبكي - رحمه الله - في مطلع كتابه " السيف المسلول على من سبّ الرسول " , فقال عن سبب تصنيفه : " وكان الداعي إليه أن فتيا رفعت إلىّ في نصراني سبّ ( النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ولم يُسلِم , فكتبتُ عليها , يقتل النصراني المذكور , كما قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - كعبَ بن الأشرف , ويُطهر الجناب الرفيع من ولوغ الكلب .

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى                  حتى يُراق على جوانبه الدم

- إلى أنه قال - وليس لي قدرة أن أنتقم بيديّ من هذا الساب الملعون , والله يعلم أن قلبي كاره منكر , ولكن لا يكفي الإنكار بالقلب ها هنا , فأجاهد بما أقدر عليه من اللسان والقلم , وأسأل الله عدم المؤاخذة بما تقصر يدي عنه , وأن ينجّيني كما أنجى الذين ينهون عن السوء , إنه عفو غفور " ( السيف المسلول صـ 13, 14 ) .

وها هو ابن عابدين الحنفي يقول - عن شقي استطال على خاتم المرسلين - - صلى الله عليه وسلم - : " وإن كان لا يشفي صدري منه إلا إحراقه وقتله بالحسام " ( رسائل ابن عابدين 1/293 ) .

     - أجمع العلماء على كفر شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وقد حكى الإجماع كثير من أهل العلم , ونقتصر على مثال واحد , فقد قال القاضي عياض : " اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سبّ النبي - صلى ا لله عليه وسلم - , أو عابه , أو ألحق به نقصاً في نفسه , أو نسبه , أو دينه , أو خصلة من خصاله , أو عرّض به , أو شبّهه بشئ على طريق السبّ له , أو الإزراء عليه , أو التصغير لشأنه , أو الغضّ منه , والعيب له , فهو سابّ له , والحكم فيه حكم السابّ ...

وهذا كله إجماع من الصحابة و أئمة الفتوى من لدن الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى هلم جرا .

     - إلى أن قال - ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه , وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره " ( الشفا 2/932, 933 = باختصار ) .

     فهل بعد هذا يسوغ التغاضي والسكوت عن زندقة هذا المأفون المهين ؟!

-        جمع ذاك البغيض رعونة وحمقاً , وزندقة صلعاء , وردة مغلّظة , كما جمع تلوناً مكشوفاً , وروغاناً ممجوجاً .

     وما دعواه أنه تاب إلا كذب وتمويه , وتلبيس وتدليس .

     فالواقع المشاهد أنه لم يتب صراحة عن مقالته الشوهاء , ولو تاب ذاك المهين  فإن العلماء المحققين قد قرروا أن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُقتل و لايستتاب , كما بسطه وحرره ابن تيمية في الصارم المسلول ( 3/549-952 ) ومن ذلك قوله - رحمه الله - : " وكل جرم استحق فاعله عقوبةً من الله إذا أظهر ذلك الجرم عندنا وجب أن نعاقبه ونقيم عليه حدَّ الله , فيجب أن نبتر من أظهر شنآنه - صلى الله عليه وسلم - وأبدى عداوته , وإذا كان ذلك واجباً وجب قتلُه , وإن أظهر التوبةَ بعد القدرة , و إلا لما انبتر له شانئ بأيدينا في غالب الأمر , لأنه لا يشاءُ شانئ أن يظهر شنآنه ثم يُظهر المتاب بعد رؤية السيف إلا فعل , فإن ذلك سهلٌ على من يخاف السيف " ( الصارم المسلول 3/863 ) .

 - وأخيراً فإن حماقات هواة الأقلام وتوثبهم على الشرع المنزَّل , وعدم إخضاعهم للقضاء الشرعي , كان سبباً ظاهراً في وقوع هذه الطوام ونظائرها.. فإن كان المذكور له " امتياز " بأن يحاكم إلى غير شرع الله - تعالى - , فما يصنع بجيفته ؟! فهل يدفن في مقابر المسلمين وقد تلبّس بهذا الجرم الشنيع ؟ أم يخصّ بمقبرة تلائمه وأشباهه ؟ ومما يحسن ذكره ها هنا ما وقع سنة 1933م في بلاد تونس , فقد حكى الشيخ محمد رشيد رضا - رحمه الله - أن أهل الإسلام في تونس منعوا المتجنسين بالجنسية الفرنسية من دفن موتاهم بين المسلمين في مقابرهم , لأنهم مرتدون عن الإسلام بما تقتضيه الجنسية الفرنسية من التزواج والتوارث بأحكام القانون الفرنسي المخالف لنصوص القرآن والسنة مما هو مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة , فأرادت الحكومة الفرنسية إجبار المسلمين على دفنهم في مقابرهم , و ظاهرها بعض المنافقين على هذا فخاب سعيها وعجزت قوتها عن ذلك , وانتهى الأمر بإنشاء مقبرة خاصة بهؤلاء المرتدين المصرّين على كفرهم . ( انظر : فتاوى محمد رشيد رضا 6/2540 ) .

     وهكذا فإن الخروج على الرسالة المحمدية لا يعقبه إلا تفرّقاً وتشرذماً , ولا يخلف إلا ظلمة ونكداً , فالدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة المحمدية , وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة , ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة , وهو من الأموات .

والله حسبنا ونعم الوكيل,,,  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياك الله ، يشرفني تعليقك .

أعجبني