٠٢‏/٠٦‏/٢٠١٠

حكاية أيزنهاور مع الناي - فهد عامر الأحمدي

بسم الله
22%D8%B3.png



حول العالم

حكاية أيزنهاور مع الناي

فهد عامر الأحمدي

    كنتُ في طفولتي بعكس حالي هذه الأيام مغرما بقراءة قصص المخترعين والمكتشفين والشخصيات الناجحة في التاريخ..

ومن التاريخ الأمريكي قرأت قصص ثلاث شخصيات رائعة أولها محرر العبيد الرئيس إبراهام لينكولن (الذي وجدت قصته في برميل زبالة أثناء عودتي من المدرسة).. والثانية هيلين كيلر المرأة الكفيفة الصماء التي أضاءت الطريق لملايين المعاقين حول العالم .. أما الثالث فهو الرئيس ديفيد أيزنهاور الذي تولى قبل انتخابه كرئيس قيادة جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ووضع خطة اجتياح شمال أفريقيا وغزو إيطاليا وعين بعد الحرب قائدا أعلى لحلف الأطلسي....

ومن مذكرات هذا الأخير علقت في رأسي قصة جميلة تعلمت منها درسين مهمين في سن مبكرة من حياتي (سأخبرك عنهما بعد انتهائي من القصة)..

ففي سن الخامسة كان ايزنهاور حسب ماجاء في مذكراته لا يرغب سوى بتعلم العزف على الناي أو البوص.. وذات يوم شاهد نايا في دكان صغير تعلق به فور رؤيته.. وبدون تردد دخل المحل وسأل البائع عن سعره فنظر إليه بتهكم وقال "دولاران" وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت يعجز عن جمعه الأطفال.. غير أن ايزنهاور حرم نفسه من كل شيء حتى من شراء الطعام في المدرسة وبدأ يجمع كل سنت يجده في جرة زجاجية لمدة سبعة أشهر.. وحين امتلأت الجرة لنهايتها أخذها كما هي وذهب بها إلى البائع ونثرها أمامه وطلب منه الناي .. وهنا ابتسم البائع وقال بخبث اذهب وخذه بنفسك وانشغل هو في إعادة السنتات المتناثرة إلى الجرة .. واستمرت فرحة ايزنهاور بالناي لعدة أسابيع حتى دخل ذات يوم إلى نفس المتجر يتأمل بعض المعروضات فسمع البائع يهمس لزوجته "هذا الطفل الساذج دفع لي خمس دولارات ثمنا لناي كان يمكن ! أن يأخذه بدولار واحد فقط" !!

.. وحين سمع كلامه تملكه شعور بالغضب والحنق وخرج من المحل وهو يبكي وحين وصل الى المنزل كسر الناي ولم يتجرأ على شراء واحد غيره أبدا.. ويعترف ايزنهاور أنه لم يستطع نسيان وجه البائع ولا التخلص من شعوره بالحقد والغضب والرغبة بالانتقام حتى نهاية حياته !!

والآن راجع معي هذه المفارقات :

... رجل جرب فظائع الحرب العالمية الثانية وشهد مقتل آلاف الجنود أمام عينيه ، كما شارك في العمليات الحربية ضد اليابان كمساعد للقائد الأعلى في منطقة المحيط الهادي ، وبعد نهاية الحرب تولى رئاسة أركان الجيوش الأمريكية وقيادة قوات حلف الأطلسي في أوربا ، وبعد تقاعده خاض غمار الانتخابات السياسية وأصبح الرئيس الثالث والأربعين لأقوى دولة في العالم...

ومع هذا كله ؛ لم يستطع نسيان وجه بائع صعلوك خدعه في سن الرابعة .. لم يستطع نسيان سنتات تافهة سرقت منه وهو الذي أصبح لاحقا من أصحاب الملايين !!!

وقصة كهذه تفيدنا في تعلم درسين مهمين:

* الأول أن الأطفال لا ينسون الإساءة أبد كما يتصور معظمنا بل قد تزداد لديهم رسوخا بمرور الأيام.. وبناء عليه لا يجب أن نتعمد اهانتهم أو الإساءة إليهم أو معاملتهم بشكل غير لائق وكأنهم لن يكبروا أو يدركوا فداحة ماحصل في الماضي (وتذكر بنفسك كم شخصية أساءت إليك في سن الطفولة فحملت ضدها حقدا وغضبا استمر معك حتى اليوم)؟!

* أما الدرس الثاني فيتعلق بضرورة تعلم الضحايا أنفسهم (وبصرف النظر عن السن التي تعرضوا فيها للإساءة) أهمية الصفح والغفران حتى وإن عجزوا عن النسيان.. وهذا الكلام ليس رحمة بالظالم أو عطفا على الجاني (وليس أيضا من قبيل الادعاء أو السمو الأخلاقي) بل من أجل أن يتخلص المظلوم نفسه من عبء الغضب ونار الانتقام ويستمر في حياته بلا منغصات أو شخصية مهزوزة


أخوكم : محب القمم
بريدي الالكتروني
روافد .. من ينابيع الخير شواهد مشاهد ذات بهجة

تابعني Facebook Twitter
Signature powered by WiseStamp 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياك الله ، يشرفني تعليقك .

أعجبني