بسم الله
د. عبدالله بن سليمان آل مهنا - صحيفة المسك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعـــد :
فقد اطلعت على فتوى للشيخ سلمان العودة في موقعه بجواز الاحتفال بعيد الميلاد للأولاد وكانت الفتوى جواباً لسؤال ورد إليه في برنامج ( الحياة كلمة ) وقد أفتى بذلك غير هذه المرة ...
ورغبة في بيان الصواب في هذه المسألة أحببت نشر هذا التعقيب وتعميمه ، لكون الفتوى على العموم ، فإن كثيراً من الناس اتكأ عليها وصاروا يقيمون الموالد لأولادهم .
قال الشيخ عفا الله عنا وعنه : (إن الذي يَظهر لي أن هذه الاحتفالات الفردية كأن يجمع طفل أصدقاءه وذوي رحمه في احتفال ببراءة وعفوية لا تحمل أيَّ بعد عقائدي ، فإن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع ... ) .
فأقول وبالله التوفيق : إن الشيخ هوّن من شأن ( عيد الميلاد ) بوصفه لمن يعمله بالبراءة والعفوية ، ومقصوده - والله أعلم - عدم نية السوء والابتداع أو التشبه بالكفار ، ومفهوم كلامه أن ما كان بخلاف ذلك من نية الابتداع والتشبه بالكفار فهو ممنوع ...
ولي مع هذه الفتوى وقفات :
الأولى :
هذه الأعياد التي تسمى ( الميلاد ) لم تكن تعرف في الإسلام ، بل لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يلعبون في يومين ، فقال { ما هذان اليومان ؟ } قالوا : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : { قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } " (1) فلم يقرهم صلى الله عليه وسلم على تخصيص هذين اليومين باللعب مع أنه لم يكن لهم فيهما غير اللعب ، مما يدل على انتفاء شبهة التعبد فيهما ، وهذا اللعب المجرد يحمل معنى العفوية التي عبر بها الشيخ ، ومع ذلك لم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الاستمرار على هذين العيدين وأبدلهم بهما الأضحى والفطر .
الثانية :
الأزمنة المعظمة سواءً كانت أعياد ميلاد أو غيرها لا يخلو المنع من الاعتناء بها وإقامتها من إحدى علل ثلاث :
الأولى : الإحداث :
فإن اعتماد أعياد زمانية لم ترد في الشرع يعتبر إحداثاً في دين الله ، وشرعا لم يأذن به الله ، قال الله تعالى: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [ الشورى 21 ] وقال صلى الله عليه وسلم : {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، " (3).
العلة الثانية : التشبه بالكفار:
فإن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار بصفة عامة فقال صلى الله عليه وسلم : { من تشبه بقوم فهو منهم }(4) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشـبه كما في قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) (5) [ المائدة : آية 51 ] " .
ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال :{ قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } (6) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار ، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } (7) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " قوله {إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم ، كما أن الله سبحانه قال: ( ولكل وجهة هو موليها ) [البقرة: 148]، وقال ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )[المائدة: 48] ، أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم ، وذلك أن اللام تورث الاختصاص ، فإذا كان لليهود عيد ، وللنصارى عيد ، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه ، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم ، وكذلك – أيضاً على هذا – لا ندعهم يشركوننا في عيدنا " (8) .
وتشبه بعض المسلمين بالكفار في الأعياد والمواسم لا ينحصر في كونهم يقيمون هذا العيد ، أو يقيمونه على صفة معينة للكفار تقتضي منا أن لا نتشبه بهم فيها ... لكن الأمر يتعدى ذلك إلى أمور منها :
• الأول : التشبه بهم في نوع الأعياد، أي أن من المسلمين من يتشبه بالكفار في إقامة أعياد وفيها مضاهاة لأعياد الكفار .
وحتى يتبين خطأ ما قاله الشيخ سلمان من كون عيد الميلاد ليس تشبهاً حيث قال ( أن مثل هذا الاحتفال ليس تشبهًا ، فهو ليس من خصوصيات الأمم الكافرة ، وإنما هذا موجود الآن عند معظم شعوب العالم ...)
أقول جواباً على هذا : إن معظم شعوب العالم اليوم ليست على الإسلام ، فإن المسلمين يمثلون ربع العالم تقريباً ، فهل نسي الشيخ هذا الأمر !! هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فإن أعياد الميلاد من خصوصيات الكفار الدينية ، فإن معظم الأعياد البدعية التي يقيمها بعض المسلمين أو يقلدون فيها الكافرين قائمة على خلفيات دينية عند الكفار ، مثال ذلك:
الاحتفال بالهجرة النبوية يحاكي عيد رأس السنة .
المولد النبوي وميلاد الشخص يحاكي عيد ميلاد عيسى عليه السلام .
الإسراء والمعراج يحاكي عيد القيامة ( أي قيامة المسيح ) عند النصارى .
مهرجان الزهور يحاكي عيد النيروز عند المجوس وشم النسيم عند القبط .
? فعيد رأس السنة الميلادية أصله عيد رأس السنة المجوسية الذي كان المجوس يقيمونه تقديساً لمعبودهم الشمس ، ومن المعلوم أن الحضارة النصرانية أخذت أعيادها من اليونان الأمة الوثنية ، واليونان ورثوا عقائدهم من المجوس .
وكان قدماء المصريين أيضاً يحتفلون برأس السنة عندما تظهر " سوثيز " أي " الشعرى اليمانية " أثناء النهار ، مما يدل على ارتباط ذلك بديانتهم (9) .
وسرى ذلك إلى العرب فقال تعالى ( وأنه هو رب الشعرى ) [ النجم 49 ] وهو كوكب مضيء يطلع بعد الجوزاء ، قال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة ، وكان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم (10).
وعند اليهود عيد رأس السنة ، أو رأس الشهر ، وهو شهر مقدس عندهم لمحاسبة النفس والتوبة والندم ، وقد اختار اليهود هذا الشهر للتقدم إلى الرب بأفضل الأعمال ، وذلك لما حدث فيه من عبادة العجل وكسر الألواح (11) .
والمولد النبوي يقيمه أهل البدع على اعتبار أن محمداً صلى الله عليه وسلم أجدر وأولى بالتكريم من عيسى عليه السلام ، فوقعوا في التشبه بالنصارى بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم كما غلا النصارى في محبة عيسى عليه السلام .
بل إن لعيد الميلاد عند النصارى الموافق ( 25 ) ديسمبر ارتباطاً وتأثراً بالديانة اليونانية الوثنية ، فإن التاريخ نفسه هو يوم ميلاد " آلهة الشمس " ( ميترا ) عند اليونان ، ولذا وُجدت العناية عند النصارى بالنار والشموع التي تمثل الشمس تأثراً بالديانة اليونانية الوثنية (12).
فيكون الترتيب الزمني لأعياد الميلاد هكذا :
عيد ميلاد ( ميترا ) آلهة الشمس عند اليونان .
ثم عيد ميلاد المسيح عليه السلام .
ثم عيد ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم عيد ميلاد الأطفال والأشخاص عموماً ممن هم دون النبي صلى الله عليه وسلم كالأولياء والصالحين والزعماء وأئمة الرافضة ونحوهم .
• الأمر الثاني : التشبه بهم في توقيت الأعياد ، وذلك باستعمال الحساب الشمسي في بعض الأعياد ، وترك الحساب القمري الذي هو من شعائر هذه الأمة ، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلام أهل العلم في هذه المسألة .
وبعد هذا السياق يتضح أن احتفال المسلم بعيد الميلاد له أو لأحد من أولاده لا يخرج عن ارتكاب المحظور بهذه العلل الثلاث أو ببعضها ، وقول الشيخ عفا الله عنه أنه لا بُعد عقائدي لهذا العيد لا يسلّم له بعد أن تبين أن موافقة الكفار في نوع هذا العيد هو بُعد عقائدي .
العلة الثانية : التخصيص :
ومعناه : أن تخصيص زمان من هذه الأعياد ( الميلاد أو غيره ) باجتماع راتب ، أو أعمال ، أو عبادات ، يعتبر تعظيماً لهذا اليوم وتخصيصاً له من غير مخصِّص ، والأزمنة المعظمة محددة في الشريعة الإسلامية لا يزاد عليها إلا بدليل ، ولو أحدثنا أزمنة كالميلاد وغيره ضاهينا بذلك الأعياد الشرعية التي تنتظرها النفوس بشغف ، وزاحمناها ، ولذا فإن الشريعة الإسلامية نهت عن تخصيص شيء من الأزمنة بتعظيم إلاماخصته ، حياطة للشعائر الإسلامية أن يدخل عليها ما يزاحمها ويضعف أثرها في النفوس ، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } (13) .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم } (14) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
فوجه الدلالة : أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
1. قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان ، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء .
2. وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين.
3. وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان.
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره ، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك ، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده ، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده .
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد ، أو لا ينهى عنه ، كيوم عرفة وعاشوراء ، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات ، وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة ، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لاخصيصة له ، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي ، كما في قوله{ خالفوا المشركين } (15) فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة ، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص.
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره ، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره ، ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره ، لها فضيلة على غيرها من الليالي ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص.
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم ، ولا فضل فيه في الشرع ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.
وهذا المعنى موجود في مسألتنا ، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة ، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه ، نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص ، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها ، هذا اعتقادي ، ومع ذلك فأنا أخصها ، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره ، وإما اتباع العادة ، وإما خوف اللوم له ، ونحو ذلك ، وإلا فهو كاذب ، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد ، أو باعثاً آخر غير ديني ، وذلك الاعتقاد ضلال.
ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال ، وتلك الأحوال أيضاً باطلة ليست من دين الله.
ولو فرض أن الرجل قد يقول : أن لا أعتقد الفضل ، فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه من التعظيم والإجلال ، والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ، ولو أنه وهم ، أو ظن أن هذا أمر ضروري ، فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء امتنع مع ذلك أن تعظمه ، ولكن قد تقوم بها خواطر متقابلة، فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه ، ومن حيث شعوره بما روي فيه ، أو بفعل الناس له ، أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه ، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته ، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة ، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله ، وأنها تورث القلب نفاقاً ، ولو كان نفاقاً خفيفاً "(16) .
قلت : وهكذا تخصيص يوم ميلاد الشخص هو ناشيء في الحقيقة عن تعظيم لهذا اليوم ، ولو ادعى أحدٌ عدم وجود هذا التعظيم لم يسلّم له ، لأن تخصيص هذا اليوم بالانتظار ثم الاجتماع ثم الاحتفال والفرح والأكل والشرب ومظاهر العيد من الألعاب ونحوها ... مع ما يصاحب ذلك من الدعوات بعام جديد سعيد هو بحد ذاته تعظيم ، ولو لم يكن فيه تعبد .
الوقفة الثالثة :
قول الشيخ : أنه احتفال ببراءة وعفوية ...
ومفهومه أن من يقيمه لا يقصد التعبد ولا التشبه ، وهذا التعليل لا أعلم من قال به من أهل العلم ، فمن أين للشيخ هذا الرأي !! بل هو مردود بحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال " نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا: لا ، قال : هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ قالوا: لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، وإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } (17) .
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عند هذا الحديث :
" التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده" (18).
قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله : " أي أنه لما جعل نذر الذبح في مكان عيد المشركين نذر معصية ، ومنع من الوفاء به مع كون الناذر لم يقصده ، دل ذلك على الحذر من مشابهتهم " (19) .
ومقصود المشايخ رحمهم الله أن الصحابي رضي الله عنه لا يظن به أن يقصد ذلك المكان من أجل إحياء عيد المشركين لو كان في نفس الموضع ، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن صورة الفعل فيها مشابهة للكافرين وإن لم ينو ذلك .
ولهذا أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار (20) ، ومن المعلوم أن المسلم لايخطر بباله أن يسجد للشمس لو صلى في ذلك الوقت ، لكن حسماً لمادة المشابهة في صورة الفعل منع من ذلك صلى الله عليه وسلم .
وفي نحو هذا المعنى قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث { أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله } :
" هل الفعل يشعر بالنية ، أو نقول المضاهاة حاصلة سواءً كانت بنية أو بغير نية ؟
الجواب : الثاني ، لأن المضاهاة حصلت سواءً نوى أو لم ينو ، لأن العلة هي المشابهة ، وليست العلة قصد المشابهة ، فلو جاء رجل وقال : أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله ، أنا أصور هذا للذكرى مثلاً وما أشبه ذلك ... نقول : هذا حرام ، لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم ، لأن الحكم يدور مع علته ، كما قلنا فيمن لبس لباساً خاصاً بالكفار إنه يحرم عليه هذا اللباس ، ولو قال إنه لم يقصد المشابهة نقول : لكن حصل التشبه ، فالحكم مقرون بعلة لا يشترط فيه القصد ، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم "(21).
وهكذا في مسألة أعياد الميلاد فلو قال شخص أن لا أقصد التشبه قلنا له : إن التشبه بهم حاصل سواءً قصدت أو لم تقصد.
الوقفة الرابعة :
قول الشيخ : ( إن ما يسمى بعيد الميلاد (الشخصي) كثيرون لا يسمونه عيداً ... )
أقول : وبعض من يرتكب الشرك يسميه بغير اسمه فيسمونه تبركاً وتوسلاً ... وكذلك من يرتكب الكبائر يسميها بغير اسمها فيسمون الخمر كحولاً ومشروبات روحية ، ويسمون الربا فوائد ...
فليس دليلاً على الجواز كون من فعله لا يسميه ( عيداً ) فهو عيد لغة وفي الاصطلاح الشرعي .
قال في لسان العرب : ابن الأعرابي : سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد " (22) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، أو نحو ذلك " (23).
فعيد الميلاد يعود ( كل سنة ) في ( توقيت معين ) و ( مقصود لذاته ) أي لكونه اليوم الذي ولد فيه الشخص ، ويكون فيه من الأعمال والاجتماع والفرح ما يكون نوعه في العيد المشروع ، فيكون بهذا آخذاً صبغة العيد تماماً ، فإحداثه إضافة عيدٍ في حياة المسلم وتشريع لم يأذن به الله .
الوقفة الخامسة :
قول الشيخ : ( ... وبعضهم لا يلتزم أن يجعل الاحتفال في اليوم ذاته، فقد يكون قبله أو بعده ... )
ولعل الشيخ - وفقه الله - وهو المحب لقلم ابن تيمية -كما قال - غاب عنه أو نسي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع وهو أن حريم العيد من العيد ، فأنا أذكِّره بكلامه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، وكذلك حريم العيد وهو ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله ، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله ، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال ، حكمها حكمه ، فلا يفعل شيء من ذلك " (24).
الوقفة السادسة :
أخشى أن يُلزم الشيخ بجواز الاحتفال بالمولد النبوي خصوصاً إذا ادعى مدعٍ أنه لا يتعبد الله بالمولد النبوي وإنما يقيمه ( احتفاءً ) بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يحتفى بمناسبات الزعماء الشخصية والوطنية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ، فلعل الشيخ يراجع نفسه والمؤمن رجّاع إلى الحق إذا تبين له .
لذا فإن هذه المسألة وغيرها من المسائل العامة للأمة لا ينبغي التسرع في إعطاء رأيٍ فيها مالم يكن قد حققها الإنسان تحقيقاً يطمئن له قلبه ، وأحسب أن كثيراً من الدعاة والمشايخ شغلوا بالدعوة والإعلام عن العكوف على تحقيق المسائل العلمية.
وأخيراً : إذا كان الشيخ سلمان وغيره من الدعاة يسعى للإصلاح و ( جمع الكلمة ) فإن سريان البدع في الأمة من أعظم أسباب الفرقة فإن الله تعالى أفرد الحق وعدد الباطل بقوله جل شأنه ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام 153 ] ، والمتعين على الداعية إذا رأى تساهل الناس في أمرٍ ما أن يأخذهم بالحزم لا أن يبحث عن سبيل رخصة بدون دليل ، ولهذا كانت سنة عمر رضي الله عنه من أبدع السنن في حياطة الدين من تساهل المفرطين ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ) ( 25) ، قال شيخ الإسلام رحمه الله " ولاريب أنه إذا كثر المحظور احتاج الناس فيه إلى زجر أكثر مما إذا كان قليلاً " (26 ) .
وختام المسك ومسك الختام فهذه فتاوى علمائنا رحمهم الله في أعياد الميلاد أتحف بها القراء الكرام :
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن إقامة أعياد الميلاد فأجاب :
الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) متفق على صحته(27) .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج فأجاب : " ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع ، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان ، والعاشر من شهر ذي الحجة ، عيد الأضحى ، وقد يسمى يوم عرفة عيداً لأهل عرفة ، وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى ، وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده ، أو مناسبة زواج ونحوها ، فكلها غير مشروعة ، وهي للبدعة أقرب من الإباحة "(28) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما نصه:
" الأعياد في الإسلام ثلاثة : يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى ، ويوم الجمعة ، أما أعياد الميلاد الفردية وغيرها ، لما يجتمع فيه من المناسبات السارّة ، كأول يوم من السنة الهجرية والميلادية ، وكيوم نصف شعبان ، أو ليلة النصف منه ، ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوم تولي زعيم الملك ، أو رئاسة جمهورية مثلاً ، فهذه وأمثالها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد خلفائه الراشدين ، ولا في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فهي من البدع المحدثة التي سرت إلى المسلمين من غيرهم ، وفتنوا بها، وصاروا يحتفلون فيها كاحتفالهم بالأعياد الإسلامية أو أكثر" (29).
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل .
كتبه
د. عبدالله بن سليمان آل مهنا
almohna9@gmail.com
________________
(1) أخرجه أبو داود رقم ( 1134) ، والنسائي ( 3/ 179 ) ، بإسناد صحيح كما في بلوغ المرام ص99.
(2) أخرجه البخاري رقم (2697) ، ومسلم رقم ( 1718) .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/ 512 ) .
(4) أخرجه أبو داود، (تهذيب 6/ 24 ح3872) وأحمد عن ابن عمر رقم ( 5114 ، 5115 ، 5667 ) .
• قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد أن ذكر الحديث : " وهذا إسناد جيد " .(الاقتضاء 1/ 236) .
• وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على بلوغ المرام " وأخرجه أحمد وإسناده حسن "( ص788 ) .
• والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (5/ 270 ح6025).
(5) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 237 ) .
(6) أخرجه أبو داود رقم ( 1134 ) والنسائي (3/179) ، قال الحافظ ابن حجر : بإسناد صحيح ، انظر: بلوغ المرام ( ص 99 ) ، وفتح الباري ( 2/ 513 ) .
(7) أخرجه البخاري ( فتح 2/ 516 ح952 ) ، ومسلم ( نووي 6/ 182 ) .
(8) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 446 ).
(9) الموسوعة العربية العالمية (16/ 724 – 725) .
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 17 /119 ) .
(11) ينظر: البدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي ( 2/ 37 ) والموسوعة العربية العالمية ( 11/ 61 ) وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لـ : د . عبد الوهاب المسيري ( 2/ 82 ) .
(12) انظر: تاريخ اليزيدية لمحمد الناصر صديقي ( ص432 ) ، ودراسات معاصرة في العهد الجديد ، د. محمد بن علي البار( ص299 ) .
(13) أخرجه مسلم (نووي 8/ 18).
(14 ) أخرجه البخاري (فتح 4/ 152 ح1914)، ومسلم (نووي 7/ 194).
(15) أخرجه البخاري (فتح 10/ 361 ح5892).
(16) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 608) ، وانظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 486 – 487).
(17) أخرجه أبو داود ( تهذيب 4/ 382 ح3172 ) ، قال الحافظ ابن حجر: بسند صحيح ، تلخيص الحبير ( 4/ 180) .
(18) كتاب التوحيد ( ص 23 ) .
(19) التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد ( ص83 ) .
(20) أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه ( نووي 6/ 116 ) .
(21) القول المفيد شرح كتاب التوحيد ( 3/ 208 ) .
(22) لسان العرب لابن منظور ( 3/ 318 – 319 ) .
(23) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 441 ) .
(24) المصدر السابق ( 2/ 512 ) .
(25) أخرجه مسلم برقم ( 1472 ) .
(26) جامع المسائل ( 1/ 337 ) .
(27) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 4/ 283 ،285 ، 286 ) ، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة ، المجموعة الثانية ( 2/ 260 ) والمجموعة الأولى ( 3/ 83 ، 84 ، 85 ) .
(28) مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/ 302 – 303).
(29) فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 317) ، وانظر: المجموعة الثانية للفتاوى نفسها (1/ 45
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعـــد :
فقد اطلعت على فتوى للشيخ سلمان العودة في موقعه بجواز الاحتفال بعيد الميلاد للأولاد وكانت الفتوى جواباً لسؤال ورد إليه في برنامج ( الحياة كلمة ) وقد أفتى بذلك غير هذه المرة ...
ورغبة في بيان الصواب في هذه المسألة أحببت نشر هذا التعقيب وتعميمه ، لكون الفتوى على العموم ، فإن كثيراً من الناس اتكأ عليها وصاروا يقيمون الموالد لأولادهم .
قال الشيخ عفا الله عنا وعنه : (إن الذي يَظهر لي أن هذه الاحتفالات الفردية كأن يجمع طفل أصدقاءه وذوي رحمه في احتفال ببراءة وعفوية لا تحمل أيَّ بعد عقائدي ، فإن الأصل فيها هو الإذن وليس المنع ... ) .
فأقول وبالله التوفيق : إن الشيخ هوّن من شأن ( عيد الميلاد ) بوصفه لمن يعمله بالبراءة والعفوية ، ومقصوده - والله أعلم - عدم نية السوء والابتداع أو التشبه بالكفار ، ومفهوم كلامه أن ما كان بخلاف ذلك من نية الابتداع والتشبه بالكفار فهو ممنوع ...
ولي مع هذه الفتوى وقفات :
الأولى :
هذه الأعياد التي تسمى ( الميلاد ) لم تكن تعرف في الإسلام ، بل لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يلعبون في يومين ، فقال { ما هذان اليومان ؟ } قالوا : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم : { قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } " (1) فلم يقرهم صلى الله عليه وسلم على تخصيص هذين اليومين باللعب مع أنه لم يكن لهم فيهما غير اللعب ، مما يدل على انتفاء شبهة التعبد فيهما ، وهذا اللعب المجرد يحمل معنى العفوية التي عبر بها الشيخ ، ومع ذلك لم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الاستمرار على هذين العيدين وأبدلهم بهما الأضحى والفطر .
الثانية :
الأزمنة المعظمة سواءً كانت أعياد ميلاد أو غيرها لا يخلو المنع من الاعتناء بها وإقامتها من إحدى علل ثلاث :
الأولى : الإحداث :
فإن اعتماد أعياد زمانية لم ترد في الشرع يعتبر إحداثاً في دين الله ، وشرعا لم يأذن به الله ، قال الله تعالى: ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) [ الشورى 21 ] وقال صلى الله عليه وسلم : {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، " (3).
العلة الثانية : التشبه بالكفار:
فإن الشريعة نهت عن التشبه بالكفار بصفة عامة فقال صلى الله عليه وسلم : { من تشبه بقوم فهو منهم }(4) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشـبه كما في قوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) (5) [ المائدة : آية 51 ] " .
ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال :{ قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر } (6) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار ، تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } (7) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " قوله {إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا } فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم ، كما أن الله سبحانه قال: ( ولكل وجهة هو موليها ) [البقرة: 148]، وقال ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )[المائدة: 48] ، أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم ، وذلك أن اللام تورث الاختصاص ، فإذا كان لليهود عيد ، وللنصارى عيد ، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه ، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم ، وكذلك – أيضاً على هذا – لا ندعهم يشركوننا في عيدنا " (8) .
وتشبه بعض المسلمين بالكفار في الأعياد والمواسم لا ينحصر في كونهم يقيمون هذا العيد ، أو يقيمونه على صفة معينة للكفار تقتضي منا أن لا نتشبه بهم فيها ... لكن الأمر يتعدى ذلك إلى أمور منها :
• الأول : التشبه بهم في نوع الأعياد، أي أن من المسلمين من يتشبه بالكفار في إقامة أعياد وفيها مضاهاة لأعياد الكفار .
وحتى يتبين خطأ ما قاله الشيخ سلمان من كون عيد الميلاد ليس تشبهاً حيث قال ( أن مثل هذا الاحتفال ليس تشبهًا ، فهو ليس من خصوصيات الأمم الكافرة ، وإنما هذا موجود الآن عند معظم شعوب العالم ...)
أقول جواباً على هذا : إن معظم شعوب العالم اليوم ليست على الإسلام ، فإن المسلمين يمثلون ربع العالم تقريباً ، فهل نسي الشيخ هذا الأمر !! هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فإن أعياد الميلاد من خصوصيات الكفار الدينية ، فإن معظم الأعياد البدعية التي يقيمها بعض المسلمين أو يقلدون فيها الكافرين قائمة على خلفيات دينية عند الكفار ، مثال ذلك:
الاحتفال بالهجرة النبوية يحاكي عيد رأس السنة .
المولد النبوي وميلاد الشخص يحاكي عيد ميلاد عيسى عليه السلام .
الإسراء والمعراج يحاكي عيد القيامة ( أي قيامة المسيح ) عند النصارى .
مهرجان الزهور يحاكي عيد النيروز عند المجوس وشم النسيم عند القبط .
? فعيد رأس السنة الميلادية أصله عيد رأس السنة المجوسية الذي كان المجوس يقيمونه تقديساً لمعبودهم الشمس ، ومن المعلوم أن الحضارة النصرانية أخذت أعيادها من اليونان الأمة الوثنية ، واليونان ورثوا عقائدهم من المجوس .
وكان قدماء المصريين أيضاً يحتفلون برأس السنة عندما تظهر " سوثيز " أي " الشعرى اليمانية " أثناء النهار ، مما يدل على ارتباط ذلك بديانتهم (9) .
وسرى ذلك إلى العرب فقال تعالى ( وأنه هو رب الشعرى ) [ النجم 49 ] وهو كوكب مضيء يطلع بعد الجوزاء ، قال السدي : كانت تعبده حمير وخزاعة ، وكان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم (10).
وعند اليهود عيد رأس السنة ، أو رأس الشهر ، وهو شهر مقدس عندهم لمحاسبة النفس والتوبة والندم ، وقد اختار اليهود هذا الشهر للتقدم إلى الرب بأفضل الأعمال ، وذلك لما حدث فيه من عبادة العجل وكسر الألواح (11) .
والمولد النبوي يقيمه أهل البدع على اعتبار أن محمداً صلى الله عليه وسلم أجدر وأولى بالتكريم من عيسى عليه السلام ، فوقعوا في التشبه بالنصارى بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم كما غلا النصارى في محبة عيسى عليه السلام .
بل إن لعيد الميلاد عند النصارى الموافق ( 25 ) ديسمبر ارتباطاً وتأثراً بالديانة اليونانية الوثنية ، فإن التاريخ نفسه هو يوم ميلاد " آلهة الشمس " ( ميترا ) عند اليونان ، ولذا وُجدت العناية عند النصارى بالنار والشموع التي تمثل الشمس تأثراً بالديانة اليونانية الوثنية (12).
فيكون الترتيب الزمني لأعياد الميلاد هكذا :
عيد ميلاد ( ميترا ) آلهة الشمس عند اليونان .
ثم عيد ميلاد المسيح عليه السلام .
ثم عيد ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم عيد ميلاد الأطفال والأشخاص عموماً ممن هم دون النبي صلى الله عليه وسلم كالأولياء والصالحين والزعماء وأئمة الرافضة ونحوهم .
• الأمر الثاني : التشبه بهم في توقيت الأعياد ، وذلك باستعمال الحساب الشمسي في بعض الأعياد ، وترك الحساب القمري الذي هو من شعائر هذه الأمة ، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلام أهل العلم في هذه المسألة .
وبعد هذا السياق يتضح أن احتفال المسلم بعيد الميلاد له أو لأحد من أولاده لا يخرج عن ارتكاب المحظور بهذه العلل الثلاث أو ببعضها ، وقول الشيخ عفا الله عنه أنه لا بُعد عقائدي لهذا العيد لا يسلّم له بعد أن تبين أن موافقة الكفار في نوع هذا العيد هو بُعد عقائدي .
العلة الثانية : التخصيص :
ومعناه : أن تخصيص زمان من هذه الأعياد ( الميلاد أو غيره ) باجتماع راتب ، أو أعمال ، أو عبادات ، يعتبر تعظيماً لهذا اليوم وتخصيصاً له من غير مخصِّص ، والأزمنة المعظمة محددة في الشريعة الإسلامية لا يزاد عليها إلا بدليل ، ولو أحدثنا أزمنة كالميلاد وغيره ضاهينا بذلك الأعياد الشرعية التي تنتظرها النفوس بشغف ، وزاحمناها ، ولذا فإن الشريعة الإسلامية نهت عن تخصيص شيء من الأزمنة بتعظيم إلاماخصته ، حياطة للشعائر الإسلامية أن يدخل عليها ما يزاحمها ويضعف أثرها في النفوس ، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم } (13) .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم } (14) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
فوجه الدلالة : أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
1. قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان ، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء .
2. وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين.
3. وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان.
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره ، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك ، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده ، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده .
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد ، أو لا ينهى عنه ، كيوم عرفة وعاشوراء ، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات ، وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة ، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لاخصيصة له ، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي ، كما في قوله{ خالفوا المشركين } (15) فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم أو صلاة ، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص.
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره ، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره ، ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره ، لها فضيلة على غيرها من الليالي ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص.
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم ، ولا فضل فيه في الشرع ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.
وهذا المعنى موجود في مسألتنا ، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة ، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه ، نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص ، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها ، هذا اعتقادي ، ومع ذلك فأنا أخصها ، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره ، وإما اتباع العادة ، وإما خوف اللوم له ، ونحو ذلك ، وإلا فهو كاذب ، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد ، أو باعثاً آخر غير ديني ، وذلك الاعتقاد ضلال.
ثم هذا الاعتقاد يتبعه أحوال في القلب من التعظيم والإجلال ، وتلك الأحوال أيضاً باطلة ليست من دين الله.
ولو فرض أن الرجل قد يقول : أن لا أعتقد الفضل ، فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه من التعظيم والإجلال ، والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ، ولو أنه وهم ، أو ظن أن هذا أمر ضروري ، فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء امتنع مع ذلك أن تعظمه ، ولكن قد تقوم بها خواطر متقابلة، فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه ، ومن حيث شعوره بما روي فيه ، أو بفعل الناس له ، أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه ، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته ، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة ، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله ، وأنها تورث القلب نفاقاً ، ولو كان نفاقاً خفيفاً "(16) .
قلت : وهكذا تخصيص يوم ميلاد الشخص هو ناشيء في الحقيقة عن تعظيم لهذا اليوم ، ولو ادعى أحدٌ عدم وجود هذا التعظيم لم يسلّم له ، لأن تخصيص هذا اليوم بالانتظار ثم الاجتماع ثم الاحتفال والفرح والأكل والشرب ومظاهر العيد من الألعاب ونحوها ... مع ما يصاحب ذلك من الدعوات بعام جديد سعيد هو بحد ذاته تعظيم ، ولو لم يكن فيه تعبد .
الوقفة الثالثة :
قول الشيخ : أنه احتفال ببراءة وعفوية ...
ومفهومه أن من يقيمه لا يقصد التعبد ولا التشبه ، وهذا التعليل لا أعلم من قال به من أهل العلم ، فمن أين للشيخ هذا الرأي !! بل هو مردود بحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال " نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا: لا ، قال : هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ قالوا: لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك ، وإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } (17) .
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عند هذا الحديث :
" التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده" (18).
قال الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله : " أي أنه لما جعل نذر الذبح في مكان عيد المشركين نذر معصية ، ومنع من الوفاء به مع كون الناذر لم يقصده ، دل ذلك على الحذر من مشابهتهم " (19) .
ومقصود المشايخ رحمهم الله أن الصحابي رضي الله عنه لا يظن به أن يقصد ذلك المكان من أجل إحياء عيد المشركين لو كان في نفس الموضع ، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن صورة الفعل فيها مشابهة للكافرين وإن لم ينو ذلك .
ولهذا أيضاً نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار (20) ، ومن المعلوم أن المسلم لايخطر بباله أن يسجد للشمس لو صلى في ذلك الوقت ، لكن حسماً لمادة المشابهة في صورة الفعل منع من ذلك صلى الله عليه وسلم .
وفي نحو هذا المعنى قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث { أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله } :
" هل الفعل يشعر بالنية ، أو نقول المضاهاة حاصلة سواءً كانت بنية أو بغير نية ؟
الجواب : الثاني ، لأن المضاهاة حصلت سواءً نوى أو لم ينو ، لأن العلة هي المشابهة ، وليست العلة قصد المشابهة ، فلو جاء رجل وقال : أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله ، أنا أصور هذا للذكرى مثلاً وما أشبه ذلك ... نقول : هذا حرام ، لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم ، لأن الحكم يدور مع علته ، كما قلنا فيمن لبس لباساً خاصاً بالكفار إنه يحرم عليه هذا اللباس ، ولو قال إنه لم يقصد المشابهة نقول : لكن حصل التشبه ، فالحكم مقرون بعلة لا يشترط فيه القصد ، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم "(21).
وهكذا في مسألة أعياد الميلاد فلو قال شخص أن لا أقصد التشبه قلنا له : إن التشبه بهم حاصل سواءً قصدت أو لم تقصد.
الوقفة الرابعة :
قول الشيخ : ( إن ما يسمى بعيد الميلاد (الشخصي) كثيرون لا يسمونه عيداً ... )
أقول : وبعض من يرتكب الشرك يسميه بغير اسمه فيسمونه تبركاً وتوسلاً ... وكذلك من يرتكب الكبائر يسميها بغير اسمها فيسمون الخمر كحولاً ومشروبات روحية ، ويسمون الربا فوائد ...
فليس دليلاً على الجواز كون من فعله لا يسميه ( عيداً ) فهو عيد لغة وفي الاصطلاح الشرعي .
قال في لسان العرب : ابن الأعرابي : سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد " (22) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة ، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، أو نحو ذلك " (23).
فعيد الميلاد يعود ( كل سنة ) في ( توقيت معين ) و ( مقصود لذاته ) أي لكونه اليوم الذي ولد فيه الشخص ، ويكون فيه من الأعمال والاجتماع والفرح ما يكون نوعه في العيد المشروع ، فيكون بهذا آخذاً صبغة العيد تماماً ، فإحداثه إضافة عيدٍ في حياة المسلم وتشريع لم يأذن به الله .
الوقفة الخامسة :
قول الشيخ : ( ... وبعضهم لا يلتزم أن يجعل الاحتفال في اليوم ذاته، فقد يكون قبله أو بعده ... )
ولعل الشيخ - وفقه الله - وهو المحب لقلم ابن تيمية -كما قال - غاب عنه أو نسي ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع وهو أن حريم العيد من العيد ، فأنا أذكِّره بكلامه :
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " العيد اسم جنس ، يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع ، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة ، فليس النهي عن خصوص أعيادهم ، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام ، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك ، وكذلك حريم العيد وهو ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله ، أو ما حوله من الأمكنة التي يحدث فيها أشياء لأجله ، أو ما يحدث بسبب أعماله من الأعمال ، حكمها حكمه ، فلا يفعل شيء من ذلك " (24).
الوقفة السادسة :
أخشى أن يُلزم الشيخ بجواز الاحتفال بالمولد النبوي خصوصاً إذا ادعى مدعٍ أنه لا يتعبد الله بالمولد النبوي وإنما يقيمه ( احتفاءً ) بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يحتفى بمناسبات الزعماء الشخصية والوطنية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ، فلعل الشيخ يراجع نفسه والمؤمن رجّاع إلى الحق إذا تبين له .
لذا فإن هذه المسألة وغيرها من المسائل العامة للأمة لا ينبغي التسرع في إعطاء رأيٍ فيها مالم يكن قد حققها الإنسان تحقيقاً يطمئن له قلبه ، وأحسب أن كثيراً من الدعاة والمشايخ شغلوا بالدعوة والإعلام عن العكوف على تحقيق المسائل العلمية.
وأخيراً : إذا كان الشيخ سلمان وغيره من الدعاة يسعى للإصلاح و ( جمع الكلمة ) فإن سريان البدع في الأمة من أعظم أسباب الفرقة فإن الله تعالى أفرد الحق وعدد الباطل بقوله جل شأنه ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام 153 ] ، والمتعين على الداعية إذا رأى تساهل الناس في أمرٍ ما أن يأخذهم بالحزم لا أن يبحث عن سبيل رخصة بدون دليل ، ولهذا كانت سنة عمر رضي الله عنه من أبدع السنن في حياطة الدين من تساهل المفرطين ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ) ( 25) ، قال شيخ الإسلام رحمه الله " ولاريب أنه إذا كثر المحظور احتاج الناس فيه إلى زجر أكثر مما إذا كان قليلاً " (26 ) .
وختام المسك ومسك الختام فهذه فتاوى علمائنا رحمهم الله في أعياد الميلاد أتحف بها القراء الكرام :
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن إقامة أعياد الميلاد فأجاب :
الاحتفال بأعياد الميلاد لا أصل له في الشرع المطهر بل هو بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) متفق على صحته(27) .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم إقامة أعياد الميلاد للأولاد أو بمناسبة الزواج فأجاب : " ليس في الإسلام أعياد سوى يوم الجمعة عيد الأسبوع ، وأول يوم من شوال عيد الفطر من رمضان ، والعاشر من شهر ذي الحجة ، عيد الأضحى ، وقد يسمى يوم عرفة عيداً لأهل عرفة ، وأيام التشريق أيام عيد تبعاً لعيد الأضحى ، وأما أعياد الميلاد للشخص أو أولاده ، أو مناسبة زواج ونحوها ، فكلها غير مشروعة ، وهي للبدعة أقرب من الإباحة "(28) .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما نصه:
" الأعياد في الإسلام ثلاثة : يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى ، ويوم الجمعة ، أما أعياد الميلاد الفردية وغيرها ، لما يجتمع فيه من المناسبات السارّة ، كأول يوم من السنة الهجرية والميلادية ، وكيوم نصف شعبان ، أو ليلة النصف منه ، ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوم تولي زعيم الملك ، أو رئاسة جمهورية مثلاً ، فهذه وأمثالها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد خلفائه الراشدين ، ولا في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فهي من البدع المحدثة التي سرت إلى المسلمين من غيرهم ، وفتنوا بها، وصاروا يحتفلون فيها كاحتفالهم بالأعياد الإسلامية أو أكثر" (29).
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبساً علينا فنضل .
كتبه
د. عبدالله بن سليمان آل مهنا
almohna9@gmail.com
________________
(1) أخرجه أبو داود رقم ( 1134) ، والنسائي ( 3/ 179 ) ، بإسناد صحيح كما في بلوغ المرام ص99.
(2) أخرجه البخاري رقم (2697) ، ومسلم رقم ( 1718) .
(3) اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/ 512 ) .
(4) أخرجه أبو داود، (تهذيب 6/ 24 ح3872) وأحمد عن ابن عمر رقم ( 5114 ، 5115 ، 5667 ) .
• قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد أن ذكر الحديث : " وهذا إسناد جيد " .(الاقتضاء 1/ 236) .
• وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على بلوغ المرام " وأخرجه أحمد وإسناده حسن "( ص788 ) .
• والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (5/ 270 ح6025).
(5) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 237 ) .
(6) أخرجه أبو داود رقم ( 1134 ) والنسائي (3/179) ، قال الحافظ ابن حجر : بإسناد صحيح ، انظر: بلوغ المرام ( ص 99 ) ، وفتح الباري ( 2/ 513 ) .
(7) أخرجه البخاري ( فتح 2/ 516 ح952 ) ، ومسلم ( نووي 6/ 182 ) .
(8) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 446 ).
(9) الموسوعة العربية العالمية (16/ 724 – 725) .
(10) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 17 /119 ) .
(11) ينظر: البدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي ( 2/ 37 ) والموسوعة العربية العالمية ( 11/ 61 ) وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لـ : د . عبد الوهاب المسيري ( 2/ 82 ) .
(12) انظر: تاريخ اليزيدية لمحمد الناصر صديقي ( ص432 ) ، ودراسات معاصرة في العهد الجديد ، د. محمد بن علي البار( ص299 ) .
(13) أخرجه مسلم (نووي 8/ 18).
(14 ) أخرجه البخاري (فتح 4/ 152 ح1914)، ومسلم (نووي 7/ 194).
(15) أخرجه البخاري (فتح 10/ 361 ح5892).
(16) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 608) ، وانظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 486 – 487).
(17) أخرجه أبو داود ( تهذيب 4/ 382 ح3172 ) ، قال الحافظ ابن حجر: بسند صحيح ، تلخيص الحبير ( 4/ 180) .
(18) كتاب التوحيد ( ص 23 ) .
(19) التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد ( ص83 ) .
(20) أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه ( نووي 6/ 116 ) .
(21) القول المفيد شرح كتاب التوحيد ( 3/ 208 ) .
(22) لسان العرب لابن منظور ( 3/ 318 – 319 ) .
(23) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 441 ) .
(24) المصدر السابق ( 2/ 512 ) .
(25) أخرجه مسلم برقم ( 1472 ) .
(26) جامع المسائل ( 1/ 337 ) .
(27) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ( 4/ 283 ،285 ، 286 ) ، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة ، المجموعة الثانية ( 2/ 260 ) والمجموعة الأولى ( 3/ 83 ، 84 ، 85 ) .
(28) مجموع فتاوى ابن عثيمين (2/ 302 – 303).
(29) فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 317) ، وانظر: المجموعة الثانية للفتاوى نفسها (1/ 45
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .