بسم الله
الزواج: فرحة أم نكبة العمر ؟!!
تخيلوا معي ذلك الشاب الخلوق المتدين ذا الأخلاق العالية، الذي ذهب مع والده في إحدى الليالي إلى إحدى الأسر لخطبة ابنتهم المصون، وكله أمل في الموافقة حتى يتسنى له إكمال دينه بالزواج، وليعف نفسه عن دروب الشر والشيطان، وليحقق أحلامه بتكوين أسرة، وليتمتع بالاستقرار النفسي والاجتماعي، وما إن دخل هذا الشاب ووالده منزل تلك الأسرة وعرضوا على والد الفتاة ما جاؤوا من أجله إذا بالإجابة من والد الفتاة تأتي في صيغة أسئلة مختومة بعلامة استفهام:
"ما وظيفتك"؟، "كم راتبك"؟، "كم عمرك"؟
ثم يحاول ذلك الشاب المسكين تفادي الحرج فيأخذ في الحديث عن نفسه وسيرته الذاتية وذكر محاسنه، وأنه ينتسب إلى عائلة لها شأن كبير وذات دين وخلق.. فتأتيه المقاطعة لتكرر الأسئلة ذاتها: أجبني، كم راتبك؟ وما وظيفتك؟؟
فيجيب عنه والده ويقول: راتب ولدي 1500 ريال، والحال - ولله الحمد – مستور، ونحن أتينا لكي نتشرف بنسبك.
فتأتي الإجابة النهائية التي هي بمثابة الصاعقة على الابن بأنه ليس لدينا بنات للزواج؛ ليُفاجأ بعد مضي وقت ليس بالبعيد بأن تلك البنت التي كان يتمناها قد تزوجها فلان من الناس، الذي يكبره بأعوام كثيرة، وقد ارتسمت على وجهه خارطة التجاعيد؛ حيث تم قبوله من قِبل والدَيْ البنت؛ نظراً إلى ما يحتويه رصيده من أرقام عالية.
من هنا يكون في مقدورنا العثور على السبب الكامن وراء تكدُّس الفتيات في المنازل حتى وصل بعضهن إلى مرحلة عمرية متقدمة، إضافة إلى تلك الأرقام الخيالية من المهور التي نسمع بها في واقعنا، والتي جعلت الكثير من الشباب يحجمون عن مسألة الزواج؛ لأنه - وبصراحة - ليس في مقدور شاب دخله لا يتجاوز الألفين أو الثلاثة أو حتى الأربعة والخمسة آلاف تأمين مبلغ ذلك المهر الذي يصل في بعض الأحيان إلى رقم مكوّن من ست خانات! ناهيك عما يلحق ذلك من الهبات التي تتوزّع يميناً ويساراً على أقارب الزوجة كالوالدين والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناء الأخ وبنات الأخت والأجداد من جهة الأب والأم ذكوراً وإناثاً، وغير ذلك من الأعراف التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولم نسمع بها في آبائنا الأولين، "كالشنطة" التي تكلّف أحيانا عشرة آلاف ريال وأكثر، إضافة إلى تأمين المنزل وتأثيثه، وتوفير السيارة المناسبة؛ وبالتالي إنْ هو تجرّأ وخاض تلك المغامرة فإنه سيقضي جزءا ليس باليسير من حياته يصارع الدَّين، وهذا سينعكس سلباً على طرفي الزواج، كل هذا لأنه فقط تزوّج امرأة، ومن لم يرغب في دخول مجازفة الزواج فلينتظر في طوابير العزوبية بضع سنين حتى يتسنى له جمع "قيمة زوجة العمر".
وإننا عندما نقرأ الإحصائيات الرسمية الصادرة من جهات الاختصاص، التي توضح نسبة العوانس في السعودية، نجد في ثنايا تلك الإحصائيات ما يهدّد بكارثة اجتماعية يكون ضحيتها الفتيات اللاتي يقبعن خلف جدران العنوسة وقد فاتهن قطار الزواج، إما بسبب إكمال دراسة، أو محدودية راتب الزوج، أو بسبب جشع وطمع بعض الآباء برواتب بناتهم، وكم سمعنا عن مثل هؤلاء الآباء الذين أعماهم الطمع والظلم، غير مدركين لما خلفوه من آثار نفسية واجتماعية جسيمة على الفتاة، فكانوا هم مصدر شقاء بناتهم في الدنيا، وحرمانهم من السعادة وهم لا يشعرون، وقد وُجِد من الفتيات العوانس من حاولت الانتحار خوفاً وهرباً من واقع العنوسة الذي تعيشه؛ حيث أرجعت السبب في إقدامها على الانتحار إلى رفض والدها تزويجها من شبان تقدموا لخطبتها في فترات زمنية مختلفة؛ الأمر الذي جعلها تخشى العنوسة، وفقاً لما نشرته إحدى الصحف السعودية.
إنه يجب على كل والد فتاة ألا يقف سداً منيعاً يحول بين ابنته وزوج المستقبل بدعوى قلة راتبه أو عدم رضاه بمستواه الوظيفي، ولنستشعر قول الحق تبارك وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَ إِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وقد يكون في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، إشارة لنا وتنبيهاً إلى خطر بقاء الفتيات في البيوت؛ حيث إننا بمنعهن من الزواج قد تسببنا في إحداث فتنة عظيمة وفساد في الأرض، تتمثل في سلوك الشابة أو الفتاة دروب المتعة الحرام، وهذا أمر لا يرضاه العقل ولا الأخلاق ولا الفطرة السوية فضلاً عن الدين.
وإذا كان الزواج الذي هو "فرحة العمر" التي ينتظرها كل شاب قد تحوّل إلى "نكبة العمر" بسبب المهور المبالغ فيها، والشروط والطلبات التعجيزية، فلا بورك فيه من زواج، وحيا الله والداً ساهم وساعد وبذل كل ما يستطيع في سبيل تيسير زواج ابنته؛ لأنه يدرك أنه ليس للمرأة أستر من رجل تعيش في كنفه تعفه ويعفها، ولرغبته أن يبارك الله لابنته في زوجها وأولادها كما ورد في الحديث : "أقلهن مؤنة أكثرهن بركة".
علي بن محمد الثوابـي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .