٧ شعبان ١٤٣١ هـ

10 فقهاء : احتكار حديد البناء لرفع سعره مُحرَّم شرعاً لأنه ضرر عظيم وظلم بيِّن

بسم الله
22%D8%B3.png


قالوا: ينطبق ذلك على كل ما يهمُّ الناس من مأكل ومشرب وأدوات بناء وسلع ومنتجات
10 فقهاء : احتكار حديد البناء لرفع سعره مُحرَّم شرعاً لأنه ضرر عظيم وظلم بيِّن
إبراهيم العبد اللطيف - سبق – الرياض: أكد عشرة فقهاء أن احتكار حديد البناء لرفع أسعاره بشكل مذهل حرام. 

مضيفين: الاحتكار يتنافى مع القيم الشرعية الجليلة، ويدل على الجشع والطمع، وقسوة القلب، وعدم إحساس المسلم بأخيه المسلم، الذي أُمر بتفقُّد أحواله، والسعي في نفعه بكل ما يقدر عليه. 

وقالوا في فتوى لهم بموقع "الفقه الإسلامي"، في باب "يستفتونك": إن الحُكْم بالتحريم ينسحب على كل ما يحتاج إليه الناس في حياتهم، ولا تستقيم معيشتهم إلا به، سواء في الطعام كالأرز والسكر، أم في أدوات البناء كالحديد والأسمنت ونحوهما، أم غيرها كالبنزين، وقطع غيار السيارات الأساسية، والأدوية، ونحوها. 

وسواء كان هذا بحبس السلع، أم برفع سعرها مع حاجة الناس إليها وتفرُّد التاجر بها؛ فكل ما يعود بالضرر على عموم المسلمين في هذا الباب يكون داخلاً في الاحتكار المحرم، بالنص أو بالمعنى.

وقال الدكتور خالد الدعيجي، الأمين العام لموقع الفقه الإسلامي: وردت أسئلة كثيرة بشأن ارتفاع أسعار الحديد, وقيام بعض التجار باحتكاره لرفع السعر على المستهلك, مطالبين بمعرفة الرأي الشرعي في ذلك. 

مضيفا: تم عرض القضية على الفقهاء الذين يقومون على الفتوى في الموقع؛ فجاءت إجاباتهم بتحريم ذلك.

وجاء السؤال الذي عُرض على المفتين كالآتي: "لا يخفى على فضيلتكم ما أُصيب به العالم في الوقت الحالي من ارتفاع مذهل في أسعار الحديد؛ الأمر الذي جعل عدداً كبيراً من التجار يسعى إلى احتكاره، وحبسه في المخازن؛ بغية زيادة السعر. 

وتعلمون ما في هذا العمل من مشقة على الناس. 

فما حكم هذا الاحتكار الذي يقومون به، بالرغم من أن حاجة الناس إلى الحديد من أشد ما يكون؟".

وبعد الاطلاع والدراسة أجابت لجنة الفتوى بما يأتي:
إن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: {..وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ..} (2) سورة المائدة، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له. 

كما نهى الشارع الحكيم عن كل ما يُدخل الضرر على المسلمين؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح. 

ومعلوم أن الاحتكار يتنافى مع هذه القيم الشرعية الجليلة، وهو دليل على الجشع والطمع، وقسوة القلب، وعدم إحساس المسلم بأخيه المسلم، الذي أُمِرَ بتفقُّد أحواله، والسعي في نفعه بكل ما يقدر عليه؛ لذا قام دليل الشرع على تحريم هذا الفعل؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحتكر إلا خاطئ". 

وفي لفظ لمسلم: "من احتكر فهو خاطئ" أي: عاص آثم. 

وقد وردت جُمْلة من الأحاديث في النهي عن الاحتكار، وأسانيدها في الجُمْلة لا تخلو من مقال، غير أنها تفيد في مجموعها بتحريم الاحتكار، وأنه من أفعال العصاة الآثمين، منها ما رواه أحمد والحاكم وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" أي: بمكان عظيم من النار. 

ومنها ما رواه أحمد وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس". 

وقد أخرج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا"، وهو قد أرخص في السعر، فكيف بمن يرفع السعر على الناس؛ ليشق عليهم ويوقع بهم الضرر، ويلحق بهم المشقة والعنت؟! فإن مَنْ فعل هذا نال قطعاً نصيباً عظيماً من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

وقد اتفق الفقهاء على أن الحِكْمة من تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس؛ لذا كان القول بتحريم الاحتكار في كل شيء، قوتاً كان أم إداماً أم لباساً، هو القول الصحيح الذي يتماشى مع مقصد الشرع من هذا التحريم؛ فمتى أفضى الاحتكار إلى إيقاع الناس في ضرر ومشقة وعنت وجب أن يكون محرماً؛ إذ العلة التي جاء النهي من أجلها متحققة في كل ما يحتاج الناس إليه، ولا تقوم معيشتهم إلا به.

وممن فهم التحريم في كل شيء، حتى الأمور المعنوية، ابن القيم رحمه الله؛ فقال كما في الطرق الحكمية: "ومن ها هنا منع غير واحد من العلماء، كأبي حنيفة وأصحابه، القسامين الذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة أن يشتركوا؛ فإنهم إذا اشتركوا - والناس يحتاجون إليهم - أغلوا عليهم الأجرة". أ.هـ. فهذا نوع من الاحتكار في العمل توجَّه الفقهاء إلى منعه؛ لما يفضي إليه من إلحاق الضرر بالمسلمين.
وعليه فالواجب أن ينسحب الحُكْم بالتحريم على كل ما يحتاج إليه الناس في حياتهم، ولا تستقيم معيشتهم إلا به، سواء في الطعام كالأرز والسكر، أم في أدوات البناء كالحديد والأسمنت ونحوهما، أم غيرها كالبنزين، وقطع غيار السيارات الأساسية، والأدوية، ونحوها. 

وسواء كان هذا بحبس السلع، أم برفع سعرها مع حاجة الناس إليها وتفرد التاجر بها؛ فكل ما يعود بالضرر على عموم المسلمين في هذا الباب يكون داخلاً في الاحتكار المحرم، بالنص أو بالمعنى.

كما أننا في هذا الصدد يجب أن ننبه على ما يفعله بعض التجار لإيقاع الناس في حرج عظيم؛ فقد سلك جُمْلة من التجار طرقاً عدة غير شريفة للتسويق لفكرة الاحتكار، منها الآتي:
1. التنسيق مع تجار آخرين لاحتكار السوق.

2. استخدام الدعاية أو الشائعة التي يُراد منها دفع الناس إلى الطلب؛ ما يؤدي إلى رفع الأسعار بسبب كثرة الطلب.

3. السعي في إخراج صغار المنافسين، والتفرد بالسوق، ومن المعلوم أن التفرد وسيلة ناجعة للاحتكار؛ إذ لا يتمكن التاجر من الاحتكار مع وجود منافسة جادة.

4. إبرام العقود طويلة الأجل مع الموردين بأسعار رخيصة بنية احتكار السوق، ثم رفع الأسعار لجني الأرباح. وهذه الأمور بهذه النية قطعاً لا تجوز، ولا يحسن بتجار المسلمين أن يكونوا على هذه الشاكلة، بل الواجب عليهم أن يتحلوا بروح الإيمان؛ فالمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله.

ونذكر أن التاجر الذي يجلب السلع بنية التوسعة على الناس ويقنع بربح معقول له ثوابه عند الله تعالى؛ فقد رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "الجالب مرزوق والمحتكر محروم" أخرجه ابن ماجه عنه مرفوعاً بسند ضعيف.

كما أننا نناشد المسؤولين التدخل في هذا الأمر بما يعود بالمصلحة على الجميع: البائع والمشتري، وبما يحفظ الحق لهم جميعاً، وذلك عن طريق تسعير ما يحتاج إليه الناس إذا كان في التسعير مصلحة، ويكون هذا التسعير إلزاماً لهم بالعدل الذي أوجبه الله على عموم المسلمين، ومنعاً لهم من الظلم الذي وجب رفعه عن المسلمين، ويجب على الجميع في هذه الحال طاعة ولي الأمر في هذا الشأن، والالتزام بما فرضه عليهم؛ إذ هذا ما يحقق المصلحة، وليس في ذلك مخالفة لترك النبي صلى الله عليه وسلم التسعير، كما في حديث أنس رضي الله عنه؛ فإن التسعير المذموم هو ما كان في حال استقرار الناس، وعدم وجود مَنْ يحبس عنهم ما يحتاجون إليه، أو يرفع سعره عليهم عمداً لانفراده به، أما وقد وُجِد مَنْ يحبس أو يضيّق عليهم ما يحتاجون إليه فإن هذا من الظلم الواجب رفعه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان لولي الأمر أن يُكْره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة؛ فإنه يُجبَر على بيعه للناس بقيمة المثل؛ ولهذا قال الفقهاء: مَنْ اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره". الحسبة (27).

ومعلوم حاجة الناس الماسة إلى الحديد في البناء؛ فإنه في حال حبسه، أو ارتفاع سعره، سوف يفضي إلى توقف الناس عن البناء، أو الشراء بسعر أعلى من سعره الحقيقي، وفي كلا الأمرين من الضرر العظيم، والظلم البيّن ما يوجب الحُكْم بتحريم احتكار هذه السلع؛ لتكون في متناول الجميع. والله تعالى أعلم. 

الموافقون على الفتوى رقم (11) بشأن احتكار الحديد:
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد الزحيلي
فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن أحمد الجرعي
فضيلة الشيخ الدكتور عطية فياض 
فضيلة الشيخ الدكتور هاني بن عبد الله الجبير
فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبداللطيف البنا
فضيلة الشيخ الدكتور أحمد المعلم
فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبدالله المزيني 
فضيلة الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد
فضيلة الشيخ الدكتور عقيل بن محمد المقطري


بريدي الالكتروني  

  

  

   مشاهد ذات بهجة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حياك الله ، يشرفني تعليقك .

أعجبني