عندما يتحدث الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة عن الحرب القومية الشاملة التي يخوضها "معاليه" ضد الطالبات المنقبات وإصراره على تدمير مستقبلهن التعليمي إذا لم يخلعوا النقاب بوصفها حربا صادرة عن قناعته الخاصة بالتخلف والتقدم ، فهو "يستهبل" فضلا عن أنه يكذب على الرأي العام فيما لا يمكن فيه الكذب ، وذلك لسبب بسيط ، وهو أن الحملة التي تفجرت فجأة شملت أنحاء مصر كلها بمعنى أن ما يمارسه هو جزء من سياسة "القطيع" الإداري ، وصدر بها توجيهات مهووسة من وزير التعليم العالي هاني هلال ، ويمارسها بكل عنف وتطرف رؤساء الجامعات المصرية باستثناءات قليلة ، أي أن المسألة لا بطولة ولا يحزنون يا دكتور حسام ، وإنما أنت مجرد موظف لا موقف له ولا رأي تلقيت التعليمات وتنفذ أوامر أسيادك بكل تفاني وإخلاص وعينك على مكافأة نجل زكي بدر ، فلا داعي لادعاء بطولة أو رؤية أو فكر أو خلافه ، والحقيقة أني مندهش من ذلك الإصرار العجيب على إعلان الحرب على المنقبات وتحدي القانون والسلطة القضائية وممارسة ما يوسف بالبلطجة الرسمية في سبيل ذلك ، أستطيع أن أقول بكل ثقة أن القرار أيضا ليس قرار هاني هلال ، لأن هاني هلال كان وزيرا طوال السنوات الماضية ولم يعلن هذه الحرب القومية الشاملة التي اكتشف أهميتها فجأة ، هاني هلال هو الآخر تلقى التعليمات وينفذها بغشومية ، ورأس الجمل الطائر من وزارة التعليم جعله مستسلما لفعل أي شيء يبقيه في كرسيه ، حتى وهو يتحدى القانون وأحكام القضاء ، وهو التحدي الخطير الذي يشير إلى أنه "مسنود" وأنه لا يعبأ بكونه يرفض تطبيق القانون بل ويحرض رؤساء الجامعات علنا على عدم تطبيق أحكام القضاء ، هاني هلال وحسام كامل وغيرهما "مأمورون" وينفذون تعليمات جهة نافذة في الدولة وغير مرئية ، هذه قناعتي وقناعة كل من تعامل بحيادية مع تلك الظاهرة المدهشة ، الجامعات المصرية تعاني العجز والقصور في جوانب كثيرة ومشكلات أكثر تعقيدا وخطرا من حكاية النقاب ، والكوادر العلمية للجامعات المصرية بالذات تعيش أجواء انتفاضة من سنوات من أجل إنقاذ التعليم الجامعي ، ونوادي أعضاء هيئات التدريس التي طرحت برنامج إنقاذ للجامعات المصرية لم يكن لقضية النقاب أي صدى أو حضور في برنامجها ، ولا أتصور أن النقاب هو سبب انهيار جامعات مصر وغياب جامعة حسام كامل عن قائمة أهم خمسمائة جامعة في العالم ، وهي الفضيحة التي سارت بها الركبان ، فعندما يأتي مسؤول صغير أو كبير لكي يتجاهل هذا الواقع المرير كله ثم يوقف جهده ونشاطه وتصريحاته ومقابلاته على قضية النقاب ، فهو يكون بطلا حقيقيا للمثل الشعبي الشهير : قال علمني الهيافة ، قال : تعالى في الهايفة واتصدر ، فهل أصبحت "الهيافة" شعار المرحلة ، ثم هل النسخة الأصلية من قرار إعلان الحرب الطارئة على النقاب مصرية بالفعل أم قرار خارجي ، وإذا كان القرار مصريا فهل من جهة مسؤولة في الدولة دستوريا أم من حكومة الأشباح التي لا يمكن لأجهزة الدولة ومؤسساتها محاسبتها أو مراجعة قراراتها، ولمصلحة من إظهار الجامعة المصرية في صورة "البلطجي" الذي يتحدى القانون ويدمر مستقبل الآلاف من فتيات مصر وسيداتها الطالبات ، وهل أصبحت "البلطجة" هي النموذج الذي تقدمه الجامعة لطلابها ، الوزير قال أن أحكام المحكمة لن تنفذ إلا للطالبة التي حصلت عليها فقط ، وهو كلام مساطيل ، لأن صدور الحكم في القضاء الإداري ببطلان القرار أو وقفه يعني انعدامه أصلا ، فكيف تطبق قرارا منعدما على غيرها من الطالبات ، ثم لماذا رفضت تطبيق الحكم حتى للطالبات اللاتي حصلن عليه ، رئيس جامعة القاهرة قال بصبيانية شديدة : سنطعن على الحكم ونلاعبهم في المحاكم عدة سنوات ، يعني تهديده الفضائحي للطالبات بتدمير مستقبلهن ، هل هذا "البني آدم" ، بكل تلك العقلية وتلك النفسية وتلك الجليطة وذلك الاستخفاف بمصير ومستقبل من يوصفن ـ في الأعراف الجامعية المحترمة ـ "ببناته" ، هل يصلح أن يكون رئيسا لأهم وأكبر جامعات مصر ، بل هل يصلح أن يكون في سلك التعليم أصلا.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .