بسم الله
عبدالعزيز قاسم في حوار لصحيفة الوئام الإلكترونية
عبدالعزيز قاسم .. الاسم الذي أصبح مرادفاً للمشاغبات الجدلية في الساحة الفكرية، بات يشكِّل محور اهتمام العديد من الأقلام الثقافية، وكُتّاب الأعمدة الصحفية بسبب برنامجه (البيان التالي) على قناة دليل الفضائية .. كتبت عنه العديد من الصحف والمجلات، وتحدثت بشأنه العديد من المجالس الثقافية والفكرية، وأجريت معه العديد من اللقاءات الصحفية، والتي كان آخرها حواره مع صحيفة (الوئام) الإلكترونية والتي نشرته تحت عنوان: (استغل غزل الغذامي للإسلاميين عبر الوطن.. قاسم يعترف: أنا ليبرالي مع الإسلاميين وإسلامي مع الليبراليين!!)، وننقل لكم هنا نص الحوار: تركي الروقي - الوئام : من يعرف الإعلامي عبد العزيز عن كثب لن تخطئ عينه ابتسامة الرضا البادية على محياه.. هذا الرجل الذي اقتحم وسطنا الإعلامي بين ليلة وضحاها بـ"المكاشفات" فحرّكت الكثير من المياه الراكدة، وأخضعت المزيد من الوقائع للمراجعة.. ثم ما لبث أن خرج علينا في "البيان التالي" فأثار المزيد من غبار الجدل حوله. ولمّا ازدحمت الرموز الثقافية على مجموعته البريدية، استوقفنا هذا الضجيج والصخب المُثار حوله، مما دفعنا إلى سنّ رماح الأسئلة، لننقل إليه اتهامات يلوكها بعض المتابعين للمشهد الإعلامي.. لكن أبا أسامة خضع طوعاً لمحاكمتنا وتقّبلها بصدر رحب وابتسامة هادئة.. والدكتور عبد العزيز قاسم الذي يصنّفه خصومه ضمن تيار "الصحوة"، يرأس تحرير مجلة رؤى التي لا تتحفظ على نشر صور الإناث، ويكتب لصحيفة الوطن التي لا يروق نهجها للمحسوبين على التيار "الصحوي"، وفي ذات الوقت يقدّم برنامج "البيان التالي" في قناة دليل الإسلامية! تساءلنا كيف يستطيع أن يتنقّل يومياً بين الراديكالية والليبرالية وكيف يتعايش مع التناقضات الكائنة بينهما، فاعترف ضمنياً بأنه لم يستطع إرضِاء جميع الأطراف، نافياً أن يكون متخندقاً في جهة ضد أخرى، ومصنّفاً نفسه بأنه وطني يدين بالحبّ والولاء لبلده وقادته، كما أفصح عن شجونه وأمور شتى لـ"الوئام".. فكان هذا الحوار: * دخل "البيان التالي" الساحة الإعلامية بسرعة البرق، وأصبح مادة دسمة بعد كل صلاة جمعة للمشاهد، فهل يُعزى الفضل في ذلك لشهرة عبد العزيز قاسم الذي يُصنّف ضمن إعلاميي التيار "الصحوي" السائد في المجتمع السعودي؟ - أتصور أن السبب يكمن في حيادية البرنامج، فهو متاح لكل التيارات، بعكس كثير من البرامج الحوارية التي تنحاز لرؤية مقدميها الليبرالية أو الإسلامية، ولو استعرضت الضيوف فستجد الطيف الإسلامي حاضرا بجميع أطيافه، بل حتى أحد أطياف التيار السلفي الذي يهاجم مشرف القناة، وهو فضيلة الشيخ سلمان العودة، قد فتح البرنامج لهم أبوابه، وقد شرفت بحلقة مميزة مع الشيخ عبداللطيف باشميل وهو مصنف على هذا التيار السلفي، وتجد في مقابله سليمان الدويش مرورا بمحمد الهبدان ، وفي الطرف الآخر عبده خال وسعيد السريحي وقينان الغامدي، وتقابلهم بعبدالله الغذامي وجمال خاشقجي ومحمد الأحمري..كل هذه الأسماء الوطنية ، رغم اتفاقنا أو اختلافنا، فهم مرحب بهم في البرنامج، وقد أعطوا كامل الحرية في التعبير عن رؤاهم. هذا سبب نجاح البرنامج الرئيس إن كان ثمة نجاح، وهو نجاح جزئي بسيط في مقابل ما يتطلع له مقدمه ومحبوه، ويبقى لتاريخ المقدم الصحافي بعض النسبة، لكن تنوع البرنامج وحياديته هو السبب الرئيس، فضلا عن عوامل أخرى تتعلق بمدير القناة وأجوائها الخلاقة. * لكن البعض يتهمك بالتحيز للرأي الإسلامي، وان كان بطريقة غير مباشرة؟ - أنا أشرف بأنني أنتمي للساحة الإسلامية وأصنّف على ذلك، وهذا مصدر فخر أعلنه دوما، غير أنني في البرنامج أكون منحازا للرؤية المغايرة لما عليه الضيف غالباً، كي أضفي شيئا من السجالية والحيوية، فإن كان ليبراليا اتخذت المقعد الإسلامي، وان كان العكس انقلبت إلى أن أسوق له الرؤية الليبرالية.. الذين يرون أنني أنحاز للإسلاميين أحيلهم لما يكتب في الساحات الحوارية والشكوى المتكررة بأنني ليّن سهل مع الليبراليين، ومهاجما بضراوة الإسلاميين، مستشهدين بحلقة الشيخ محمد الهبدان، والحقيقة أنني مهني أحاول - قدر استطاعتي- أن أضفي حيوية وثراء وعمقا للحلقة أيا كان الضيف. * يعتبر البعض أن فكرة "البيان التالي" لا تختلف عن فكرة برنامج (إضاءات) إلا في فتح المجال للمشاركات الهاتفية، فهل تعتبر يا دكتور أنك تجاوزت النجاح الذي حققه تركي الدخيل وبرنامجه؟ - (مبتسما) فكرة المكاشفات الصحافية بدأت في عام 2000 م في صحيفة البلاد، وقد ابتدعها عبد العزيز قاسم، قبل إنشاء قناة العربية بأعوام، ولا تجوز مقارنة قناة ناشئة مثل (دليل) بقناة ضخمة كبيرة مثل (العربية) يقودها داهية وثعلب إعلامي كبير هو عبد الرحمن الراشد، وهنا أعيدك إلى الإجابة السابقة، النجاح يكمن في حيادية البرنامج وفتح المجال لكل التيارات، لا أن تنغلق على نفسها، فنحن استضفنا محسن العواجي وبثثنا مقابلته على الهواء، ولم نلغ أبدا أية حلقة، وها نحن استضفنا رأس الليبراليين السعوديين د.خالد الدخيل ليقول بكل حرية بأن مستقبل السعودية يكمن في الليبرالية، وعرضنا ذلك على الهواء وقمنا بمناقشته. أظهر ما ميّزت المكاشفات الردود والمداخلات وهو سرّ حيوية البرنامج لأنني نقلته لـ(لبيان التالي) الذي أمامه مشوار طويل. وإن كنت أستأنس بهذه الإشادات والثناءات الجانبية من هنا أو هناك، فلست بالذي يستكين لإشادات عابرة، فأنا أعتقد بأننا ما زلنا في البداية، وهذه التصريحات التي تشيد بالبرنامج مجرد بوادر نجاح مشجعة، فنحن لم نصل لما نصبو إليه من برنامج احترافي حقيقي، فأنا شخصيا أدرك أن ثمة قصوراً وسلبيات في البرنامج وفي شخصية المقدم وطريقة تقديمه، والسبب أنني لم آخذ أية دورة أبدا في التقديم، بل جئت من الصحافة مباشرة إلى مقعد المقدم في (البيان التالي) وهذا خلل سأحاول علاجه - إن شاء الله - في القريب العاجل. * ماذا لو عرضت عليك قناة العربية أن تقدم برنامجاً بنفس فترة برنامج "الدخيل".. هل ستوافق، أم أن بيئة وأجواء قناة دليل هي سر نجاح برنامجك؟ - في قناة (العربية) عوامل لنجاح أي برنامج مهما تواضع، فإمكانات القناة وشهرتها، فضلا عن الاحترافيين من الصف الثاني المساعد، ولا شك أن أي مقدم يظهر في (العربية) فسينجح بسبب العوامل المهنية المتاحة من جوانبها كافة. قناة ( دليل) قناة ناشئة، وجمهورها محدد في شريحة معينة، وإمكاناتها لا تقارن أبدا بإمكانات (العربية) سواء البشرية أو المادية، ولكنها تملك طريقا واحدا للنجاح عبر طرح موضوعاتها بجرأة ومهنية بما فعلت صحيفة (الوطن) السعودية إبان صدورها، علاوة على أن الاختيار في راهن الزمن الآن بات للبرنامج لا القناة ، بمعنى أن المشاهد يأتي لهذه القناة لبرنامج محدد وينطلق لغيره.. ولا شك أن البيئة التي توفرها القناة لي بيئة مثالية جدا ، ساهمت لحدّ كبير في تفرغي للبرنامج ، والعمل بحرية. * هل تزامن توقيت عرض برنامجك مع برنامج (إضاءات) مجرّد مصادفة، أم هو تزاحم مقصود على "كعكة" الذروة؟ - تستغرب أن من أصرّ على هذا الموعد، هو مدير القناة عبد الله القرشي، بالرغم من احتجاجات بعض مستشاري القناة، بسبب تضاربه مع برنامج (إضاءات) ووافقته على الفور. وكان الهدف لي، في المرحلة الأولى، جذب التيار الإسلامي إلى البرنامج، وفوجئنا بأن من بات يتابعنا –إضافة لهم- مجموعة كبيرة من كافة التيارات الأخرى والحمد لله، وما زلت أردد بأن هدفنا أبعد من ذلك إن شاء الله. * ولكن كيف تمّ اختيارك من بين إعلاميين عديدين ينتمون للتيار "الصحوي"؟ - أشكرك على هذا السؤال، لأنك أعطيتني فرصة للتذكير بمديرها الشرعي الذي هبط إلى ساحة الإعلام بمظلة، وفاجأنا بهذه المهنية وبزّ كثيرين كانوا قبله. أخي عبد الله القرشي (مدير عام القناة) هو صاحب فكرة برنامج (البيان التالي) وكنت رافضا أبدا أن أقدم البرنامج، وسبق أن اعتذرت لقناة اقرأ، واعتذرت من القرشي مرارا، حتى دهمني يوما في مكتبي وقد أتى خصيصا من الرياض ، وأخذ موافقتي بطريقة " القبيلة"، وقال : جئت إليك من الرياض ولن تردني، فأجبرت جبرا على الموافقة لمكانته الأثيرة بنفسي، وكان الترتيب معه أن أقدم لدورة فضائية واحدة مدتها ثلاثة أشهر، وقد وقع خلاف بين المستشارين في القناة، وكان الدكتور أحمد الصقر فيما أظن- الذي هو مدير قناة المجد الآن – من المعترضين على طريقة أداء البرنامج ومعه مجموعة من مستشاري القناة، وقد أبلغتهم بانسحابي واعتذاري عن الإكمال، إلا أن القرشي لوحده أصرّ على إكمالي الدورة وإبقاء البرنامج ، وتحدى الجميع بما فيهم أنا بالنجاح، حتى استمزجت الأمر حلقة بعد حلقة، وهاتفني مجموعة دعاة رأوا أن البرنامج يضطرد في مسيرته وكان رأيهم الاستمرار.. فان كان ثمة نجاح فيجير لهذا القرشي الصديق، وبرأيي أنه هو أحد أهم عناصر البيئة المثالية التي تحدثت قبلا في القناة، لثقته في اختياراتي لعناوين الموضوعات وضيوفها، واحترامه لتخصصي وخبرتي. * عُرِف عن عبد العزيز قاسم دخوله في النقاشات المفصلية للتيارات الفكرية السعودية، ألم يخشَ على نفسه ذات يوم، وهو الإعلامي المحسوب على التيار "الصحوي"، أو "الاخواني"؟ - يا أخي حلوة (الاخواني) هذه، وقد ذكرتني بالشيخ الفاضل الصديق عبد اللطيف باشميل وقتما قلت له في البرنامج: أنا مصنف إخواني ، ولا أعرف طيلة عمري أنني بايعت الإخوان، أو كنت على منهجهم في البيعة، بل العكس كنت ضدهم وكتبت مقالات ضد بعض بياناتهم، فابتسم وقال :أنا لا أصنفك منهم، وذات الأمر قلته للشيخ العبيكان بأنكم يا شيخ عبد المحسن تنعتون من شذب لحيته بأنه (إخواني) وقد ضحك طويلا من سؤالي في مكاشفاته .. يا أخي أنا رجل وطني، يدين بالولاء والحب لهذه البلاد وقادتها، ومسلم يفخر بإسلامه، ويزعم أنه سخر قلمه للمنافحة عن هوية هذ المجتمع، وعموما، لأن موقعي يتيح لي الاحتكاك بكافة التيارات، فأنا أفخر بأن لي علاقات مع رموزها، وهذه العلاقة المتميزة مع الجميع جعلت كل من أطلبه للبرنامج يستجيب. أما قضية الوجل من الدخول في القضايا المفصلية، فلربما أجواء الحرية التي توفرت في عهد ملك الحوار والدنا خادم الحرمين الشريفين تجعلنا نهتبل الفرص ونخوض في قضايا ساخنة، لكن بتعقل ومسؤولية تراكمت مع سنوات الخبرة في الصحافة. * يفسر البعض تركيزكم على صراعات تياريْن فقط من التيارات الفكرية في البلد، بأنه تجاهل ومحاولة إقصاء لتيارات أخرى، أو لحصد نجاحات على حساب التيارات الأكثر شعبية؟ - البرنامج فكري وسياسي في أساسه، ولكنه لا يقتصر فقط على هذين المجالين، استضفت صالح التركي للحديث عن مشكلة القرض الحسن واستضفنا د.محمد علي البار للحديث عن أنفلونزا الخنازير، وكان هناك حوار مع الفنان فايز المالكي ولكن سوء الفهم الذي لابس تحديد الموعد كان سببا في إلغاء الحوار. أنتهي بأن البرنامج سيغطي أية قضية يهتم بها الرأي العام أيا كان مجالها. * ماذا تقول لمن يجزم بأن قاسم (البيان التالي) تأثر كثيراً بقاسم (الاتجاه المعاكس) حتى تحول برنامجه إلى جدل وزعيق وتعميق للصراعات؟ - في أي حوار بين رأيين متجادلين، لا بد أحيانا ترتفع وتيرة الحوار، ولكن من الظلم الحكم بأن جميع حلقات (البيان التالي) هي مجرد زعيق وحوار، بل أجزم بالعكس تماما، إليك حلقة الدكتور عبد الله الغذامي كانت في منتهى العقلانية والأدب حتى في اختلاف الرأي. أحاول دوما قدر إمكاني ألا ينتهي البرنامج إلى نسخة من الاتجاه المعاكس- وبالمناسبة هذه هي البرامج التي أرنو لمنافستها، فكل برامج (الجزيرة ) بها احترافية حقيقية يديرها ذوو فكر ومهنية- فأحيانا يتدخل الضيف الذي معي على الطاولة ليرد على الضيف في الهاتف فأمنع ذلك، وهذا مثار انتقاد وجّه إلي ، ولكني حريص فعلا ألا يشتبكا مباشرة، لئلا أكرر نسخة الاتجاه المعاكس. وماذا تقول لم يتهمونك بمحاباة الفكر الإخواني على حساب بقية التيارات الفكرية؟ ( ضاحكا) جدا، خصوصا في حلقة (موقف الإخوان المسلمين من قضية الحوثيين) ، ليتك تعيد مشاهدة تلك الحلقة التي استضفنا فيها عصام العريان أحد قيادات الإخوان المسلمين، وكان ضيفي فيها جمال سلطان، لترى المحاباة معكوسة. عموما، اعترف لك بأن البرنامج يتعرض من طرفين مغاليين إلى حملات قوية ومطالبات بإيقافه، ولربما آخر هذه المطالبات ما كتاب في الشبكة السعودية الليبرالية، وقد ردّ بكل نبل د.عبد الله الغذامي وعلق عليها. مؤشر النجاح لدي، وسعادتي أيضا بحرص هؤلاء المطالبين بالإيقاف مشاهدة البرنامج يوم الجمعة. * ما أسباب مطالبة بعض الليبراليين للشيخ سلمان العودة بإبعادك عن تقديم البرنامج؟ - خدموني خدمة جليلة بهذه المطالبة، ولم أسعد بثناء أو نقد مثل سعادتي بمطالبتهم تلك، وتوّج ذلك مقالة كتبها المفكر الكبير عبد الله الغذامي، بنبل منه وكرم، يرد فيها على هذه المطالبة . أولئك القوم يرون طرحي مخالفا لتوجه الشيخ سلمان العودة الانفتاحي،لأن عبد العزيز قاسم أصولي- في نظرهم- وان كانت لحيته مشذبة، لذلك ينبغي حجبه..تأمل كيف هي اللبرالية السعودية!! تناقض أولى مبادئ الليبرالية وحجر الزاوية فيها. * ولماذا لم نر على طاولة البيان التالي أي ليبرالي سعودي، إذا ما اعتبرنا أن الغذامي أخرج نفسه من هذا التيار؟ - يا رجل !! وهذا السؤال مشابه لأخيه (الإخواني)، في تصوري أن الليبرالي الأظهر والأول في السعودية والذي يجبرك على احترامه لصراحته وحياديته والتزامه بمبادئ ما يدعو له هو د. خالد الدخيل.. هل تعرف أن هذا الرجل كتب مدافعا عن الشيخ سعد الشثري إبان الأزمة التي تساقط فيها الليبراليون السعوديون وهم يسوطون ذلك الشيخ الوضاء الذي سجل اسمه بأحرف من نور في صفحة العلماء الحق، الأسبوع المقبل سيكون ضيفي محمد سعيد طيب الناشط الوطني المعروف والذي يليه سيكون عوض القرني مع جمال خاشقجي وجها لوجه على طاولة واحدة في حلقة عنوانها (من هم صناع الكوابيس؟). * فُسّر لقاء الغذامي على أنه تحامل على الليبراليين، فهل كانت النية مبيتة لإخراج الحلقة وكأنها استتابة ليبرالي؟ - د.الغذامي يعيش فترة مراجعات فكرية، وكان له حوار بصحيفة الوطن، قال فيه بأن يده ممدودة للإسلاميين، فاهتبلتها فرصة لأستشرف ما لدى الرجل الذي قال ما لديه بكل أريحية، وكان مثالا حقيقيا للمفكر الموضوعي الذي يعود للحق ولا يستأنف من الاعتذار عن الخطأ، وكان قدوة في ذلك. ومن أنكر وجودهم شخصية لها وزنها وثقلها في الساحة الفكرية وهو الدكتور الغذامي وساق حججه، وأتيت بعد أسبوعين بالدكتور خالد الدخيل الذي ردّ عليه وقال أن الليبرالية قدر هذا المجتمع وهم موجودون ورد صراحة على الغذامي. للبرنامج هدف وطني حقيقي يتمثل في جمع وتقريب وجهات النظر بين الأطياف الفكرية ورموزها. * وهل سنرى تركي الحمد أو منصور النقيدان على طاولة البيان التالي ضمن هذه "الاستتابات" وإن لم يصح التعبير؟ - يا عزيزي، أؤمن دوما بمبدأ: صاحب المنهج الحق لا يخاف ولا يوجل من مناظرة أيا كان.. وهو ما أردده على أحبتي الشرعيين.. حاولت مع تركي الحمد ولكن لظروفه الخاصة اعتذر عن المشاركة في إحدى الحلقات وسأستضيفه إن شاء الله. أما الزميل منصور النقيدان فلم أفاتحه بعد، وليس ثمة إشكال في استضافته، ولربما تسنح فرصة موضوع عام أشرف فيه باستضافته. - وضعك لقاء القاضي عيسى الغيث أمام فوهة النيران الصديقة.. فلماذا الغيث بالذات؟ هل يملي عليك "الإخوانيون" أسماء ضيوف البرنامج؟ - ما قلته في سؤالك هذا ردّ عليك، بأنني أجامل الإسلاميين، وفعلا كانت حلقة مميزة، وسبقت إلى الشيخ الصديق عيسى الغيث الذي استجاب لمكانتي لديه، وخبطت أيضا باسبقية الحوار قناة (العربية) التي أتت لاحقان واستضافته.. بالنسبة للمشاهدين المحافظين كانوا في البداية يعترضون على نوعية الضيوف، ولكنهم مع الوقت اتأقلموا واستمزجوا هذه الحوارات بسبب أننا نطرح وجهات النظر المتعددة وبكل جرأة وصراحة. * استغل خصومك حادثة قبر النجاشي لتصويرك بأنك صوفي، قبوري، ولا تخلو مجموعتك البريدية من تندّرك من هذه الاتهامات.. فهل ذلك مجرد عتب على رفاقك الذين ضحيت من أجلهم؟ أم أنه لا أمان للإسلامويين كما يقول خصومكم من الليبراليين؟ - في مجموعتي البريدية نتخذ هذه الحادثة مثالا للتندر من تصرف البعض المناوئ، وأفخر بوجود مجموعة باحثين من طراز رفيع على اختلاف توجهاتهم، لكن صديقي اللدود الشيخ بندر الشويقي ، الذي أنعته – بممازحة أخوية – بالوهابي العتيد، وكذلك أمثال فهد العجلان وعبد الرحمن الهرفي ومحمد السعيدي ، وثلة أصدقاء ، نكتب أوصافا ونعوتا لنضفي جوا من المزاح الأخوي لتخفيف السجالات العنيفة التي تدور في المجموعة، فهي مجموعة مغلقة على أخوة بينهم آصرة حب ووئام على اختلاف في الرأي ولا شك. أما موضوع صورة النجاشي، فقد ذهبت للحبشة لرجاء أخوي من الفضلاء الدعاة، سعد البريك وعبدالعزيز المقحم وإبراهيم الشعلان لتغطية أحوال المسلمين في بلاد الحبشة، وأنت كإعلامي ومهني لا بد أن تغطي أثناء زيارتك لتلك البلاد، كأفضل مادة صحافية لك قبر الملك الصالح النجاشي، وتسرد نبذة عن سيرته وتصور قبره لتنقله لقرائك في الصحيفة، وهو ما فعلته، وفي صورة- صورها ابني أسامة وكان مرافقي- كنت استمع للشيوخ الكبار وهم (حراس المقبرة) يشرحون باللغة الأمهرية قصة القبر ، والدول التي تعاقبت على تشييدها، منصتا لهم..ونشرتها في مجموعتي البريدية، فالتقطها زميل كريم وأرسلها لي ممازحا بأنني ظهرت كمن يدعو عند القبر، فأعدت توزيعها بالمجموعة – لاحظ أنا من أعاد توزيعها - وقد كانت في أجواء المهاذرة الأخوية فالتقطها بعض الشرعيين ممن لهم رؤية مضادة أو احن نفسية – الله أعلم بهم- ووصفوني بالقبوري والصوفي وغيرهما من التهم الهازلة التي كيلت..التي ما زلت أتندر فعلا بها، وستبقى في مذكراتي كأطرف ما كيل لي من وصف، لأنها تنسف كل ما درسته أيام الطلب القصيرة على مجموعة علماء في العقيدة.. * كيف رأست تحرير مجلة رؤى بما تحويه من مواد إعلامية تتنافى مع توجهات التيار الصحوي الذي تنتمي إليه؟ - ما وددت أن أجيب على هذا السؤال لأمور تتعلق بالنيات، ولكن يا أخي لم أقدم على قبول المجلة إلا بعد استشارتي لشرعيين وإعلاميين محافظين، معظمهم أشار عليّ بالقبول ، بل إن أحدهم قال لي: ستأثم إذا لم تشرف عليها. بالطبع المجلة قائمة، بمعنى أنني لم أنشئها، وهذه نقطة مهمة وجوهرية في موضوعنا، وهي موجهة للنساء ، ولا أستطيع أبدا أن أمنع صور النساء لأمور تتعلق بسياسة المجلات النسائية، ولا أمنع ما تحتاجه المرأة من زوايا المكياج والأزياء، ولكن العمل اتجه بالمجلة لمناقشة قضايا المرأة الحقيقية التي تمر بها، والتركيز على مظالمها وما تتعرض له، وقد حقنت المجلة بكتاب من أمثال أحمد الشقيري والداعية الإسلامية لينا الحمصي وصافيناز كاظم وأمجاد رضا وهداية درويش، وهذه أقلام نسائية محافظة. عموما قبولي بالمجلة من باب ما يقوله العلماء " إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها" فكما أن تعطيل المفاسد مقصد شرعي ، فكذلك تقليلها مقصد أيضاً يرد حال العجز عن تعطيلها، ولابن تيمية يرحمه الله كلام مستفيض في هذا باب أقل المفسدتين، والقضية مدارها النية التي لا يعلمها إلا الله. * هل ساهم وجود اسم عبد العزيز قاسم في نجاح مجموعة قاسم البريدية، بما يتمتع به من لباقة الحوار، أم هو مجرد استغلال لثقة المتدينين في شخصك؟ - هناك مثقفون وليبراليون يودون المشاركة في بعض الحوارات ويودون إبداء رؤيتهم في بعض الموضوعات جنبا إلى جنب مع زملائهم الشرعيين، لكنهم لا يستطيعون ذلك خصوصا في المواقع الكبيرة التي تبيح الشتم والتنقص، فيحجمون عن المشاركة. عندما بدأت مجموعتي – كانت تحوي بضعة ايميلات لزملاء خلـّص- بدأ هؤلاء المثقفون بالمشاركة، ووجدوا في المجموعة مكانا مثاليا وجيدا للحوار، وكبرت المجموعة بأعداد متوالية، وطرحت موضوعات كبرى كان فرسانها نخبة باحثين ومثقفين على مستوى الوطن، ولا أنسى سجال الديموقراطية وكان بين ثلة شرعيين على رأسهم أستاذنا المفكر محمد الأحمري، قابله الشيخ بندر الشويقي أحد أبرز الباحثين والمساجلين على الإطلاق في الساحة الشرعية. وانفردت المجموعة بكتابات الباحث الشهير إبراهيم السكران وإيمانياته التي يحلق بنا عبرها، وهناك سليمان الضحيان وعبدالله المالكي والدكتور كمال الصبحي ومحمد القصاص يقابلهم فهد الثابت وناصر الصرامي ونجيب يماني وثلة كبيرة ، تحاوروا برقيّ ومسؤولية، ولا يأنفون من التراجع إلى الحق، فهم يتحلون بروح الفروسية.. ولا أنسى عندما حاور جمال خاشقجي أحد طلاب العلم وهو الشيخ خالد المهنا وقتما أطلق وصف (المتسعود) عليه، وبعد ردود عدة، عاد المهنا بكل نبل، معطيا صورة حقيقية لطالب العلم الشرعي الذي يرجع للحق واعتذر صريحا للخاشقجي.. ثقة جميع الزملاء في المجموعة بعبدالعزيز قاسم وحياديته هو سرّ نجاح المجموعة. عموما مثل هذه الساحات الحوارية تقرب المسافة بين المتخاصمين. هل عمدت إلى تمرير أفكارك الخاصة في هذه المجموعة، أم استثمرتها كوسيلة دعم لوجستي للبيان التالي؟ سأجيب من الأخير، المجموعة البريدية سبقت (البيان التالي) بكثير، وقضية تمرير أفكار خاصة، فيها نظر، لأنني أبث فيها مقالاتي التي أكتبها في صحيفة الوطن..ولكن في ذات الوقت أنشر أية أفكار لكل الزملاء بلا تحيز، ومن كافة اتجاهاتهم ، بل حتى تلك التي تهاجمني وتهاجم أفكاري الخاصة التي تقول..وربما هذه تهدم تهمة سؤالك..بالأمس وزعت في المجموعة مداخلة قاسية للباحث السلفي محمد جلال القصاص يهاجمني ويهاجم الدكتور الصبحي، وهاتفته وأنا اضحك: وقلت له:أكيد أن أم جلال أحنقتك فصببت حنقك علينا. أحاول دوما تلطيف الأجواء بهذه المفاكهات الأخوية. لا زلت أكرر بأن في المجموعة نخبة باحثين وكتاب على مستوى العالم العربي أشرف بتواجدهم ومشاركاتهم، وهل مثل المفكر ابو يعرب المرزوقي أو المحلل السياسي ياسر الزعاترة او جمال سلطان وغيرهم كثير في مكانتهم الفكرية .. * يتهمكم البعض بمحاباة أعضاء المجموعة من خلال استضافتهم في البيان التالي بعد طبخ الحلقة في أروقة الإيميلات؟ - المجموعة البريدية تضم نخبة المفكرين والباحثين بما أسلفت، فمن الطبيعي أن أستضيف من داخلها، أما أنني أنحصر في الأسماء التي تتواجد في المجموعة فهذا غير صحيح، لديك قائمة طويلة عريضة من الضيوف غير المشتركين في المجموعة. * كثيراً ما انتقدت العنصرية وأعلنت حربك عليها، لكن الاتهامات بممارستها تلاحقك منذ كنت في ملحق الرسالة وصولاً إلى المجموعة البريدية، فهل نقرأ ذلك على أنه لعب على وتر المثالية، أم وسيلة لتمرير أفكار معينة تجاه أشخاص معينين؟ - لست أنا من ينتقد العنصرية، بل هو إسلامنا العظيم وتعاليمه السمحة، العنصرية ضد المتمدن والحضارة، وهو مطلب بودي لو اشتركت النخب الفكرية على كافة اتجاهاتها للحرب عليها. كنت ولا زلت وسأظل هذه النعرات العنصرية البغيضة، أما أنني أمارسها فهذا غير صحيح.. مذ تعاطيت الكتابة في الشأن العام و ولجت الصحافة ، سخرت جهدي ضد العنصرية ، وأتحدى من يرميني بهذه التهمة الإتيان بدليل واحد. - هل تستطيع أن تكشف لنا عن عدد أعضاء مجموعتك البريدية، وعن سر تدفق رسائلها للمشتركين رغم مشاغلك؟ - والله دعني أهمس في أذنك بأنني لا أعرف فعلا، ولا أعرف كيفية برمجة وإدخال المشتركين، أحد الفضلاء الزميل صادق أمين فعل ذلك ، وقال لي أنه برمج حوالي 6 آلاف ايميل بطريقته، فضلا عن ايميلات لدي لا تقل عن 500 ترسل متزامنة، وبرأيي أن سرّ تدفق المشاركات يعود إلى أن معظم الزملاء لديهم بُرد الكترونية خاصة وهم يقومون بإعادة إرسالها، وهذه الطريقة في الانتشار بمتوالية هندسية هي سبب الانتشار وليس عدد المجموعة فقط. وأفاجأ بأنها رحلت عبر قارات العالم الخمس ، وأنا أتلقى رسائل من استراليا وكندا وأمريكا وبريطانيا وموريتانيا، ودول لا تحصى، وبقي أن أخبرك أن المجموعة تأخذ مني نحو الساعة إلى الساعتين فقط، وأقوم بها لوحدي فقط. * في النهاية تود (الوئام) أن تختم هذا الحوار بسؤال غير تقليدي، لنعرف الوجه الآخر لعبد العزيز قاسم خارج السياق الإعلامي، وماذا يقول عن حياته الشخصية وأصدقائه وقراءاته وهواياته؟ أنا أب ووالد لأربعة أبناء، ثلاثة ذكور أكبرهم أسامة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والثاني أسيد في الثالث ثانوي، وفراس في السادس ابتدائي، وكتب الله أن اختم بالأقرب إلى قلبي وهي ابنتي الصغيرة غادة ذات الثماني سنوات. أعتز بصداقات عديدة، وأغشى منتديات عدة أسبوعية مع زملاء أحبة ومثقفين، وللأسف انقطعت في الآونة الأخيرة لظروف صعبة مررت بها، وبتّ " بيتوتيا" لا أخرج إلا لمناسبات الملحة جدا. أما قراءاتي فهي عشقي الدائم مذ فككت الحرف وأنا في الثالثة ابتدائي، أحب القراءة وخصوصا في أوقات السفر والانتظار في المطارات، وأقرأ كل ما يقع في يدي وبالذات الروايات العالمية والعربية وقصص الخيال العلمي، فضلا عن كتابات فكرية متخصصة، وبين يدي الآن كتاب الصديق عبدالعزيز الخضر ( السعودية سيرة دولة ومجتمع) وهي وجبة تحتاج إلى تفرغ نهاية الأسبوع لقراءتها باستمتاع. هواياتي عديدة، وربما كرة القدم التي مارستها شبلا فشبابا فدرجة أولى في نادي عكاظ مدينتي الأثيرة الطائف، فضلا على أنني مجيد بدرجة كبيرة للتنس والسباحة، والرياضة طارت من رأسي مذ دخلت أربعينيات عمري، ودهمتني أزمة منتصف العمر. كلمة تختم بها ؟ شكرا للموقع الرائع "الوئام" وشكرا لك تركي الروقي على حوارك الماتع معي. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
حياك الله ، يشرفني تعليقك .